وكذا قوّة الفاعل قد تكون محدودة نحو أمر واحد ، كالنار على الإحراق ، وقد تكون على أمور كثيرة ، كقوّة المختارين على ما يختارونه ، والقوّة الإلهية على الكل.
قال أستاذنا ـ مدّ ظلّه ـ : الضابط في القبيلين : أنّ الشيء كلّما كان أشدّ تحصّلا كان أكثر فعلا ، وأقل انفعالا ، وكلّما كان أقلّ تحصّلا كان أكثر انفعالا ، وأقل فعلا.
فالباري سبحانه لما كان في غاية التحصّل وشدّة الوجود ، كان فاعلا للكل ، وكانت قوّته وراء ما لا يتناهى ممّا لا يتناهى.
والمادّة الأولى لما كانت في ذاتها مبهمة غاية الإبهام في الوجود ؛ لتعريها عن كافة الصور ، كانت فيها قوّة جميع الأشياء.
لست أقول : استعدادها ؛ إذ الاستعداد لكونها قوّة قريبة مخصوصة ، لا يكون إلّا بسبب صورة مخصوصة ، فلا استعداد للمادّة الأولى في ذاتها ، وإنما تستعد لشيء لأجل لحوق صورة بها (١).
أصل
القوّة الفاعلية المحدودة إذا لاقت القوّة الانفعالية المحدودة وجب صدور الفعل منها ، ولو كانت الحوادث تامة القوّة على قبول الإفاضة في هويّاتها لكانت موجودة دائما ، لكنها إنّما تتم إمكاناتها واستعداداتها للوجود بتغيّرات تعرض لها شيئا فشيئا ، فتتم بها قوّتها على الوجود ، فإذا تمّت قوتها وجدت بلا مهلة وتراخ.
__________________
(١) ـ أنظر : الأسفار الأربعة : ٣ : ٦.