وصل
قد دريت أنّ تشخّص كلّ شيء إنّما هو بوجوده ، وأن الزمان والوضع والكم والأين ، وغيرها من العوارض ، لوازم للشخص ، وعلامات له.
فكلّ تشخّص جسماني تتبدّل عليه هذه العوارض كلا أو بعضا ، فتبدّلها تابع لتبدل الوجود ، بل هو عينه بوجه ، فإنّ وجود الطبيعة الجسمانية يحمل عليه بالذات أنّه الجوهر المتصل الوضعي المتكمّم الزماني ، المتحيّز لذاته ، فتبدل الأوضاع والأزمنة والأيون (١) والمقادير يوجب تبدل الوجود الشخصي للجوهر الجسماني ، وهذا هو الحركة في الجوهر الشخصي ؛ إذ وجود الجوهر جوهر ، كما أن وجود العرض عرض (٢). وهذا هو البرهان على تجدّد الطبيعة.
وقد تقرر أن كلّ متحرك فهو مفتقر إلى محرّك آخر غير ذاته ، لكن المتحرّك بنفسه لا يفتقر إلى ما يحركه ، وإلّا لزم تخلل الجعل بين الشيء ونفسه ؛ إذ لا يمكن أن يكون له وجود غير هذا الوجود ، وهو كونه متحركا ، بل يفتقر إلى محرّك يعطي وجوده ، ويجعل ذاته المتحرّكة جعلا بسيطا ، وذلك المحرّك المقوّم يجب أن يكون أمرا ثابتا مفارقا عن المادّة ولواحقها ، وإلّا لعاد الكلام فيتسلسل.
وما سوى العقل ليس كذلك ؛ لأنّ النفس بما هي نفس حكمها حكم الطبيعة في تجددها ، فيكون مقوّم كلّ طبيعة جوهرا مفارقا ، نسبته إلى جميع أفراد النوع
__________________
(١) ـ في الأسفار : والألوان.
(٢) ـ أنظر : الأسفار الأربعة : ٣ : ١٠٣ ، تحت عنوان : برهان آخر مشرقي.