بخلاف الأربع الباقية ، فإنها ليست بحقيقية ، فإنّ كونها تلك الجهات ليست باعتبار نفس الحقيقة ، بل باعتبار إضافتها إلى ما هو خارج عنها ، بل كلّ منها عند التحقيق جهة فوق أو تحت ، اعتبرت معها إضافة إلى شيء تارة ، فصارت بها جهة ، وإلى مقابل ذلك الشيء أخرى ، فصارت بها جهة أخرى مقابلة للجهة الأولى ، ولهذا تتبدل تلك الإضافات، فإنّ اليمين ـ مثلا ـ بالحقيقة جهة فوق ، أو تحت ، اعتبر كونها واقعا فيما يلي أقوى جانبي الإنسان.
وكذا اليسار إنّما هو إحداهما معتبرة معها وقوعها فيما يلي أضعف الجانبين ، ولهذا ينقلب اليمين يسارا ، وبالعكس ، بانقلاب الإضافتين.
وصل
الجهات محدودة ؛ لأنها منتهى الإشارة ، ولأنه لو لم تنته جهة الفوق إلى ما هو فوق حقيقي ، لا فوق له ، لكان لكلّ فوق فوق ، وهكذا إلى لا نهاية ، فلم يكن شيء من هذه الفوقات فوقا أصلا ، لا حقيقيا ، وهو ظاهر ، ولا إضافيا ؛ لأنّه فرع الحقيقي ، فعدم تناهي امتداد جهة الفوق يوجب بطلانه ، وهكذا في جميع الجهات ، فلا بد من كلّ جهة إلى نهاية ينتهي إليها السلوك والإشارة ، وإلّا فلا سلوك ولا إشارة ، هذا خلف.
فلا بد لجهة السفل من نهاية ، هي أسفل سافلين ، ولجهة العلو من غاية ، هي أعلى علّيّين.