كما قال في الفتوحات المكية : بالوهم يخلق كلّ إنسان في قوّة خياله ما لا وجود له إلّا فيها ، وهذا هو الأمر العام لكلّ إنسان ، والعارف يخلق بالهمّة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة ، ولكن لا تزال الهمة تحفظه ، ولا يؤدها حفظ ما خلقه ، فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق ، إلّا أن يكون العارف قد ضبط جميع الحضرات ، وهو لا يغفل مطلقا (١).
وصل
وإلى هذه النشأة المثالية أشير فيما نقل عن الأقدمين أن في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسّي ، لا تتناهى عجائبه ، ولا تحصى مدنه ، من جملة تلك المدن جابلقا ، وجابرصا ، وهما مدينتان عظيمتان ، لكلّ منهما ألف باب ، لا يحصى ما فيهما من الخلائق.
وقال في الفتوحات ، في الباب الثامن الّذي يذكر فيه أرض الحقيقة وما فيها من الغرائب والعجائب ، قال : وفي كلّ نفس يخلق الله فيها عوالم يسبّحون الليل والنهار لا يفترون.
وخلق الله من جملة عوالمها عالما على صورنا ، إذا أبصرها العارف يشاهد نفسه فيها.
وقد أشار إلى ذلك عبد الله بن عباس فيما روي عنه في حديث : هذه الكعبة وإنها بيت واحد من أربعة عشر بيتا ، وإن في كلّ أرض من الأرضين السبع
__________________
(١) ـ الأسفار الأربعة : ١ : ٢٦٦ ، عن فصوص الحكم لابن عربي.