وصل
وليعلم أن أهل كلّ نشأة من هذه النشآت الثلاث ، إنّما يدرك الموجودات الّتي فيها على سبيل المشاهدة والعيان ، ويدرك الصور الّتي هي في إحدى النشأتين الأخريين على سبيل الحكاية والاستخبار ، بالعبارة والبيان ، فشهادة كلّ نشأة غيب في الآخر ، وعيانه علم وخبر في غيره ، وظاهره باطن ، وتنزيله تأويل ، ولكلّ معنى أو صورة ظهور وأثر في واحدة منها غير ظهوره وأثره في صاحبتيها.
ألا ترى أن صورة الجسم الرطب ، كالماء ، متى فعلت في مادّة جسم قابل للرطوبة من هذه النشأة كيف قبلتها فصار رطبا مثله ، ومتى فعلت في مادّة أخرى من نشأة أخرى ، كالقوة الحسّية ، أو الخيالية ، اللّتين هما من عالم الملكوت ، لم يقبل مثل الأولى ، ولم تصر رطبة مثلها ، بل قبلت مثالها ، فلها أثر في نشأة غير أثرها في أخرى.
وكذلك إذا فعلت في النفس الناطقة ، باعتبار قوّتها العاقلة ، الّتي هي من عالم الجبروت ، فإنّ أثرها هناك صورة عقلية كلّية.
فانظر حكم تفاوت النشآت ، وقس عليه حال كلّ ماهية بحسب تخالف أنحاء الوجودات ، وإن شئت فانظر إلى النفس الناطقة الإنسانية الّتي هي من النشأة العليا ، أو الوسطى ، كيف ظهرت في النشأة الدنيا بصورة البدن ، وإلى العلم ، وهو معنى عقلي ، وجوهر روحاني ، تتقوى به النفس ، وإنما تحصل بعد حذف الزوائد والاختلافات عما يدركه الحسّ من أشخاص النوع ، وبقاء صورة غير مختلفة ، بل لبّ خالص سائغ نيله للعقل الإنساني ، كيف يظهر في المنام وهو نشأة