خيالية بصورة اللبن الّذي هو غذاء لطيف لذيذ سائغ شرابه للبدن ، وإنما يحصل بعد حذف الاختلافات من الأغذية ، وحصول صورة وحدانية غير مختلفة بين فرث ودم ، والبدن مثال للنفس ، ونسبة اللبن إليه نسبة العلم إليها.
وعلى هذا فقس ، بل بعض الموجودات ليس معقوله مطلقا لمحسوسه ، أو متخيّله أصلا ؛ وذلك مثل الزمان والحركة والدائرة والثخن وأمثال ذلك ، فإنّ هذه ليس لها حظّ من الوجود العقلي ؛ إذ كلّ معقول كلّي لا يكون ممتدّا متقدرا ، فالمعقول من المقدار ليس مقدارا في الحقيقة ، بل شيئا آخر مناسبا له ، فإذا أراد الله سبحانه إظهار ما لا صورة لنوعه في هذا العالم في الصور الحسّية شكّله بأشكال المحسوسات بالمناسبات الّتي بينها وبينه ، على قدر استعداد ما له التشكّل ، وفي هذا سرّ متشابهات الكتاب والسنّة ، كما أشرنا إليه في صدر الكتاب.
وصل
كل واحدة من النشأتين العلياوين تنقسم إلى ما يتقدّم على النشأة الدنياوية ، وإلى ما يتأخّر عنها ؛ وذلك لأنّ النشآت كلها إنّما نشأت من تنزّلات الوجود ومعارجه ، كما أشرنا إليه فيما سلف ، وحركات الوجود نزولا كحركاته صعودا ، على التعاكس بين السلسلتين ، وكل مرتبة من إحداهما غير نظيرتها من الأخرى وجودا ، وإن كانت عينها مرتبة وحقيقة ، وإلّا لزم تحصيل الحاصل ، وهو محال.
ومن هنا قيل : إن الله لا يتجلّى في صورة مرّتين. وستعرف معنى التجلّي.