بهذا الوجه ، وبعدها سائر الطرق الآفاقية ، على تفاوت مراتبها.
وإلى الثلاث الإشارة بقوله عزوجل : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١).
أصل
وإذ قد دريت في الأصول عدم موجودية ما سوى الموجود بالذات ، استغنيت عن نفي زيادة الوجود على ذاته تعالى.
ولكنا نقول ـ مع التنزّل ـ : لو كان حقيقته تعالى غير الوجود لافتقر إليه في موجوديته ، تعالى عن ذلك ، أو نقول : لو كان وجوده زائدا عليه لم يكن في حدّ ذاته ـ مع قطع النظر عن العوارض ـ موجودا ، وكل ما كان كذلك فهو فقير محتاج ؛ لأنّ اتّصافه بالوجود لا يجوز أن يكون بسبب ذاته ؛ لاستلزامه تقدّم الشيء بالوجود على نفسه ، فتعيّن أن يكون بسبب غيره ، فيكون مفتقرا إلى ذلك الغير ، هذا خلف.
بل نقول : إنه سبحانه لا ماهية له سوى الوجود البحت ، سواء كانت متأصّلة ، أو غير متأصّلة ، وإلّا لكان العقل أن يحلّله إلى ماهية ووجود ، ويحكم عليه بعدم الوجود في مرتبة الماهية من حيث هي هي ، مع أنها مرتبة من مراتب نفس الأمر ، فلا يكون وجودا تاما متأكّدا غنيا من جميع الوجوه ، هذا خلف.
وأيضا : كلّ ماهية فنفس تصورها لا تأبى أن تكون لها جزئيات ، وكلّما وقع من جزئيات كلّيّ بقي الإمكان بعد ، فلو كان له سبحانه ماهية فلا يجوز أن
__________________
(١) ـ سورة فصلت ، الآية ٥٣.