بذاته فيّاض الموجودات ، وبحقيقته محقّق للحقائق ، وبسطوع نوره منوّر للسماوات والأرض ، فهو الحقيقة ، والباقي شؤونه ، وهو الذات ، وغيره أسماؤه ونعوته ، وهو الأصل ، وما سواه أطواره وفروعه ، (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١).
ولنبيّن ذلك ببيان آخر ، وإن كانت هذه المعاني لا تدخل تحت البيان ، ولا قوّة إلّا بالله.
وصل
قد دريت في الأصول أن وحدة المعقولات ليست كوحدة المحسوسات ، وحدة عددية ، بل هي وحدة حقيقية جمعية ، لا تنافيها الكثرة من وجه ؛ لأنها منزهة عن الحصر والتقيّد في مدلول الواحدية والوحدة ، فما ظنّك بوحدة مبدأ الكلّ الّتي هي فاعل الوحدات والكثرات جميعا ، فهي أولى بالتنزّه عما يفهمه الجمهور من مفهومي الوحدة والكثرة ، سيّما وتلك الوحدة عين ذاته تعالى ، فلا يجوز أن يتوقّف تعقّلها على تعقّل الكثرة ، بل نسبة كلّ واحدة من الوحدة والكثرة إليها من حيث هي كذلك على السواء ، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : «كل مسمّى بالوحدة غيره قليل» (٢) ، يعني : أنّه واحد كثير ، لقوله أيضا : «الأحد لا بتأويل العدد» (٣).
__________________
(١) ـ سورة القصص ، الآية ٨٨.
(٢) ـ نهج البلاغة : ٩٦ ، خطبة رقم «٦٥».
(٣) ـ ورد هذا القول هكذا : «أحد لا بتأويل عدد». أنظر : تحف العقول : ٦٣ ، ضمن خطبة أمير المؤمنين عليهالسلام في إخلاص التوحيد.