فهو سبحانه واحد من كلّ وجه بهذا التقرير ؛ إذ هو الّذي ليس معه إلّا هو ، ومن هنا قيل : هو هو في أنا وأنت وهو ، فهو هو وحده لا إله إلّا هو ، وفي أسمائه سبحانه ، يا هو ، يا من هو ، يا من لا هو إلّا هو.
قال بعض العلماء : المتفرّد بالوجود هو الله سبحانه ؛ إذ ليس موجود معه سواه ، فإنّ ما سواه أثر من آثار قدرته ، لا قوام له بذاته ، بل هو قائم به ، فلم يكن موجودا معه ؛ لأنّ المعيّة توجب المساواة في الرتبة ، والمساواة في الرتبة نقصان في الكمال ، بل الكمال لمن لا نظير له في رتبته ، وكما أن إشراق نور الشمس في أقطار الآفاق ليس نقصا في الشمس ، بل هو من جملة كمالها ، وإنما نقصان الشمس بوجود شمس أخرى تساويها في الرتبة. فكذلك وجود كلّ ما في العالم يرجع إلى إشراق أنوار القدرة ، فيكون تابعا.
فإذن معنى الربوبية التفرّد بالوجود ، وهو كمال. انتهى كلامه (١).
ونزيدك بيانا ممّا ألهمت به ، فاستمع ، وعه :
وصل
قد بيّنا وجوب انتهاء كلّ جهة من جهات الفقر إلى غنيّ بالذات من تلك الجهة ، وبيّنا أن الغني بالذات واحد ، وقد ثبت أن الاختلاف النوعي في الوجودات لا بدّ وأن يكون مستندا إلى اختلاف جهات في الفاعل ، ودريت أن المستغني بالغير إنّما يكون من سنخ موجده المغني له ، ليس له هوية ووجود غير هويّته ووجوده.
__________________
(١) ـ إحياء علوم الدين : ١٠ : ٨٩ ، مع بعض الاختلافات اليسيرة.