عند أنفسها إذ ذاك هي الحقائق المتأصّلة الّتي نزّل الأشياء منها منزلة الصور والأشباح ، والعلم هنالك أقوى من علم الشيء بذاته وبغيره علما حضوريا ؛ لأنّه أقوى في شيئية المعلوم من المعلوم في شيئية نفسه ؛ لأنّه مذوّت الذوات ، ومحقّق الحقائق ، والشيء مع نفسه بالإمكان ، ومع مشيّئه وموجده بالوجوب والتمام ، وتمام الشيء فوق الشيء وكماله وغايته، فإذا كان ثبوت الأشياء بذواتها حضورا لله سبحانه وعلما وظهورا ، كما في العلم المقارن للإيجاد ، فثبوت ما هو أولى بها من ذواتها أولى بأن يكون حضورا وعلما وظهورا ، كما في العلم المقدّم على الإيجاد.
وصل
فالموجودات كلها ثابتة في الأزل في مرتبة الذات قبل صدور شيء عنه ، قبلية كقبلية الذات ، لكن بالعرض ، كما أنها موجودة بوجود الذات بالعرض ، ولما كان علمه سبحانه بذاته هو نفس وجوده ، وكانت تلك الأعيان موجودة بوجود ذاته ، فكانت هي أيضا معقولة بعقل واحد ، هو مثل الذات ، فهي مع كثرتها معقولة بعقل واحد ، كما أنها مع كثرتها موجودة بوجود واحد ؛ إذ العقل والوجود هناك واحد ، فإذن قد ثبت علمه سبحانه بالأشياء كلها في مرتبة ذاته قبل وجوداتها ، فعلمه تعالى بالأشياء علم فعلي سبب لوجوداتها في الخارج ؛ لأنّ علمه بذاته هو وجود ذاته ، وذلك الوجود بعينه علم بالأشياء ، وهو بعينه سبب لوجوداتها في الخارج ، الّتي هي صور عقلية تتبعها صور مثالية ، تتبعها صور طبيعية ، تتبعها المواد الخارجية ، وهي أخيرة المراتب الوجودية.
فالحق تعالى بوجود واحد تعقلها أولا قبل إيجادها ، وتعقّلها ثانيا بعد