وصل
بل الحق أنّه كما لا يجوز لغيره سبحانه الإحاطة بمعرفة كنه ذاته تعالى ، فكذلك لا يجوز له الإحاطة بمعرفة كنه صفاته تعالى ، وكلّ ما وصفه به العقلاء ، فإنّما هو على قدر أفهامهم ، وبحسب وسعهم ، فإنهم إنّما يصفونه بالصفات الّتي ألفوها وشاهدوها في أنفسهم، مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها إليهم بنوع من المقايسة ، ولو ذكر لهم من صفاته تعالى ما ليس لهم ما يناسبه بعض المناسبة لم يفهموه ، كما لم يفهموا ذاته الّتي هي وجود لا ماهية ؛ لأنّه ليس لهم ذلك ، فتوصيفهم إياه سبحانه إنّما هو على قدرهم ، لا على قدره ، وبحسبهم ليس بحسبه ، جلّ جلاله عمّا يصفون ، وتعالى شأنه عما يقولون (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (١).
كيف وقد قال سيدنا ونبيّنا ، سيّد الخلائق والنبيّين والمرسلين ، صلوات الله عليه وعليهم : «لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» (٢).
وما أحسن ما قال الإمام الباقر عليهالسلام : «هل سمّي عالما وقادرا إلّا لأنّه وهب العلم للعلماء ، والقدرة للقادرين ، وكل ما ميّز تموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم ، والباري تعالى واهب الحياة ومقدّر الموت ، ولعل النمل الصغار يتوهّم أن لله زبانيين فإنهما كمالها (٣) ، وتتصوّر أن عدمهما نقصان لمن لا يكونان له ، هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به
__________________
(١) ـ سورة الأنعام ، الآية ٩١.
(٢) ـ عوالي اللئالي : ٤ : ١١٣ ، ح ١٧٦.
(٣) ـ في المصدر : كمالهما.