ولهذا وردت الشرائع بالأمرين جميعا ؛ لئلّا يلزم التعطيل المحض ، ولا التشبيه الصرف (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١).
قال بعض العرفاء (٢) : إنّ ما لا تحويه الجهات وله أن يظهر في الأحياز فظهر فيها ، فاقتضى ذلك الظهور انضياف وصف ، أو أوصاف إليه ، ليس شيء منها يقتضيه لذاته ، فإنّه لا ينبغي أن ينفي عنه تلك الأوصاف مطلقا ، وينزّه عنها ، ويستبعد في حقّه ، ولا يثبت له أيضا مطلقا ، ويسترسل في إضافتها إليه ، بل هي ثابتة له من وجه ، ومنتفية عنه من وجه ، وهي له في الحالتين أوصاف كمال ، لا نقص لفضيلة الكمال المستوعب ، والحيطة والسعة التامّة ، مع فرط النزاهة والبساطة ، ولا يقاس غيره ممّا يوصف بتلك الأوصاف عليه ، لا في ذمّ نسبيّ ، ولا في محمدة ؛ لأن نسبتها إلى ذات شأنها ما ذكر تخالف نسبتها إلى ما يغايرها من الذوات (٣).
وقال أيضا : اعلم أنّ المعرفة الحاصلة للعقلاء توجب باتّفاقهم ، وتقتضي بإجماعهم وإطباقهم تنزيه الحق سبحانه عن صفات المحدثات والجسمانيات ،
__________________
(١) ـ سورة الشورى ، الآية ١١.
(٢) ـ هو عبد الرحمن الجامي ، كما ذكره في هامش المخطوطة. وعبد الرحمن الجامي (٨١٧ ـ ٨٩٨ ه) ، هو : عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد الشيرازي ، المشهور بالجامي (نور الدين ، أبو البركات) ، عالم مشارك في العلوم العقلية والنقلية ، ولد بجام ـ وهي قصبة بخراسان ـ في ٢٣ شعبان ، ونشأ بهراة ، وبها عاش معظم حياته ، وتوفي بها في ١٨ المحرم.
من مؤلفاته الكثيرة : تفسير القرآن الكريم ، الدرّة الناضرة في تحقيق مذهب الصوفيين والحكماء والمتكلمين في وجود الواجب ، تاريخ هراة ، شرح الكافية لابن الحاجب في النحو ، وشرح النقاية مختصر الوقاية في الفقه الحنفي. (معجم المؤلفين : ٥ : ١٢٢ رقم ٢٥٩).
(٣) ـ أنظر : مفتاح الغيب : ١٨.