ومن هنا قال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١).
وصل
ولك أن تقول : إن حقائق الموجودات هي بعينها أسماء الله وكلماته ؛ لأنها وجودات خاصة متعيّنة ، لها اتّحاد ما بتلك الجهات العقلية الّتي هي الأسماء بالحقيقة من وجه ؛ ولدلالتها على ذاته سبحانه دلالة الاسم على المسمى ، فإنّ الدلالة كما تكون بالألفاظ ، كذلك تكون بالذوات ، من غير فرق بينهما فيما يؤول إلى المعنى ، فكلّ موجود بمنزلة كلام صادر عنه تعالى دال على توحيده وتمجيده ، بل كلّ منها عند أولي البصائر لسان ناطق بوحدانيته ، يسبّح بحمده ويقدّسه عما لا يليق بجنابه ، كما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (٢).
وإن شئت قلت : كلّ من الموجودات ذكر وتسبيح له تعالى ؛ إذ يفهم منه وحدانيته ، وعلمه ، واتّصافه بسائر صفات الكمال ، وتقدّسه عن صفات النقص والزوال ، فإنّ البراهين قائمة ، بل العقول السليمة قاضية بوجوب انتهاء كلّ طلب إلى مطلوب ، وكل فقر إلى غناء، وكل نقصان إلى تمام ، كما أنها قاضية بوجوب رجوع كلّ مخلوق إلى خالق ، وكل مصنوع إلى صانع ، وكل مربوب إلى ربّ ، فنقصانات الخلائق دلائل كمالات الخالق جلّ ذكره ، وكثراتها واختلافاتها
__________________
(١) ـ سورة الكهف ، الآية ١٠٩.
(٢) ـ سورة الإسراء ، الآية ٤٤.