وكذا العكس ، على أنّ الوحدة النوعية ليست كالوحدة العددية غير محتملة للتعميم والتفاوت ، بل هي وحدة جمعية جامعة للمحدود ، والكلّي الطبيعي في المشكّك أشدّ إبهاما منه في المتواطىء ، ليس فيهما بمعنى واحد.
قيل : وممّا ينبّه على ذلك أنّ أجزاء الزمان متشابهة الماهية ، مع تقدّم بعضها على بعض بالذات ، لا بما هو خارج عنها ، وكذا مراتب السوادات والبياضات في الأشدّية والأضعفية ، ومراتب سائر المقدارات في الأزيدية والأنقصية ، إلى غير ذلك ، وإن كان بعض هذا ممّا قد يناقش فيه.
والحقّ أنّ التفاوت في جميع ذلك يرجع إلى أنحاء الوجودات ، فللوجود أطوار مختلفة في نفسه ، والمعاني تابعة لأطواره ، وعلى هذا فلا فرق بين الذاتيات والعوارض ، ولا بين الجواهر والأعراض ، في قبولها التشكيك ، لكن لا بذواتها ، بل بواسطة وجوداتها الخاصّة ، فالقابل للتشكيك بالحقيقة ليس إلّا الوجود ، وهو بذاته متقدّم وتقدّم ، ومتأخّر وتأخّر ، وغنيّ وغنى ، وفقير وفقر ، وكامل وكمال ، وناقص ونقص ، وشديد وشدّة ، وضعيف وضعف ، إلى غير ذلك.
وإلى هذا أشير بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (١) ، فإنّ قوّته تعالى عين ذاته المقدّسة.
وصل
الوجود لا تتألّف حقيقته ـ من حيث هي ـ من أجزاء خارجية ، أو ذهنية ، وإلّا فلا يخلو إمّا أن يكون شيء منها محض حقيقة الوجود ، فالوجود قد حصل
__________________
(١) ـ سورة فصلت ، الآية ١٥.