لا تمنع من الإقرار بالحدوث في الجملة (١) ، لكونه معلوم الثبوت بالحس ، فكذلك يجب أن لا تمنع من الإقرار بحصول الحاجة والافتقار.
والجواب عن الشبهة الخامسة : وهي قولهم : «المفتقر إلى المؤثر إما الماهية ، أو الوجود أو اتصاف الماهية بالوجود» فنقول : هذا الإشكال وارد في الحدوث ، فإنه يقال : لو حدث شيء لكان الحادث إما الماهية أو الوجود ، أو موصوفية الماهية بالوجود ، والكل باطل للوجوه التي ذكرتموها في تقرير هذه الشبهة ، وهذا يقتضي أن لا يضيء الجو (٢) بعد أن كان مظلما ، وأن لا يقوم الإنسان بعد أن كان جالسا ، وكما أن هذا باطل فكذلك ما ذكرتم.
والجواب عن الشبهة السادسة : وهي قولهم : (٣) : «المحكوم عليه بالحاجة ، إما أن يكون بسيطا أو مركبا (٤) فنقول : لم لا يجوز أن يكون بسيطا؟ فإن عندنا السواد إنما صار سوادا بالفاعل ، والجوهر إنما صار جوهرا بالفاعل ، قوله : «علة الحاجة هي الإمكان ، والإمكان صفة نسبية ، والنسبة لا يمكن حصولها في المفردات» قلنا المراد عندنا : هو أنه لا يمتنع (بقاؤه ولا يمتنع) (٥) زواله ، ولا نسلم أن الإمكان بهذا التفسير لا يعترض البسائط ، فإن قالوا : قول القائل السواد من حيث إنه (سواد لا) (٦) يمتنع بقاؤه ولا يمتنع زواله : لا يفيد غرضكم. وذلك لأن ما ذكرتم يقتضي الحكم على السواد بإمكان البقاء تارة وبإمكان الفناء أخرى ، والمفهوم من كون السواد سوادا مغايرا للمفهوم من البقاء والفناء ، فما ذكرتم يدل على أن الإمكان يمتنع حصوله في الماهية البسيطة.
قلنا : هذا تمسك بمحض اللفظ ، والمراد من الإمكان كون الشيء في نفسه ، بحيث يصح أن تبقى هويته وأن لا تبقى ، ولا شك أن المحكوم عليه بهذا المفهوم بالإمكان مفرد لا مركب.
__________________
(١) الحكمة (س).
(٢) الهواء (س).
(٣) قوله (س).
(٤) شرطا (س).
(٥) من (ز).
(٦) من (ز).