باقية ، فإنه يمتنع الحكم عليها بالافتقار إلى المؤثر ، لأنه ثبت أن الباقي في حال بقائه يمتنع افتقاره إلى المؤثر والفاعل ، فعلى هذا (التقدير) (١) ما لم تقيموا الدلالة على كونها محدثة ، امتنع الحكم عليها بالاحتياج إلى المؤثر ، إلا أنكم لو أثبتم حدوثها ، فحينئذ يسقط هذا الدليل بالكلية ، ويصير هذا الدليل (هو الدليل الذي) (٢) يعول المتكلمون عليه في إثبات العلم بالصانع ، فإنهم يقيمون الدليل على أن العالم محدث ، ثم يقولون : وكل محدث فله محدث ، فحينئذ يحصل لهم العلم بافتقار هذا العالم إلى الصانع ، فيفتقر في تقرير هذا السؤال إلى (بيان أن) (٣) الباقي حال بقائه يفتقر (٤) إلى المؤثر. والذي يدل عليه وجوه :
الأول : إنه لو افتقر الباقي حال بقائه إلى المؤثر لزم إيجاد الموجود ، وهو محال.
الثاني : إنه لو كان الأمر كذلك لزم افتقار البناء حال بنائه إلى الباني ، وأيضا من خضب يده بالحناء فإنه يبقى اللون بعد زوال الحناء ، ومن رمى الحجر ، فحركة الحجر باقية بعد زوال مدافعة الرامي.
الثالث : إنه يلزم افتقار العدم الباقي حال استمراره إلى المؤثر.
الرابع : إن كل عقل سليم يشهد بأن الشيء إذا حصل على وصفه وحاله ، فإنه يبقى على تلك الصفة والحالة إلى وقت طريان المبطل المزيل ، وكذلك فإنا إذا خرجنا من الدار ، كان ظن بقاء تلك الأشياء التي رأيناها أقوى من ظن زوالها ، ولهذا السبب فإنا نقصد للعود إليها ، ولا نقصد العود إلى الدار التي يجوز حدوثها ، وإذا غبنا عن بلد فإنا نكتب الكتب إلى أصحاب تلك البلدة لأجل ما حصل في عقولنا ، من أن الأصل في كل أمر بقاؤه على ما كان ،
__________________
(١) من (س).
(٢) من (ز).
(٣) من (س).
(٤) لا يفتقر (ز).