هذا الوسط إن استند إلى شيء ليس له خاصية الوسط ، فذاك هو المطلوب ، وإن لم يستند إلى شيء بهذه الصفة ، كان الوسط غنيا عن الاستناد إلى الطرف ، وما لم يستند إلى غيره فهو طرف وليس بوسط ، فالوسط ليس بوسط ، وإذا كان كذلك فعلّة المعلول الآخر وجب أن لا تستند إلى غيرها ، لأن التقدير (تقدير) (١) الوسط لا يجب استناده إلى غيره ، وإذا كانت هذه العلة غنية عن الاستناد إلى شيء ثالث ، كانت ظرفا ، فكانت واجبة الوجود لذاتها ، فيثبت أن نفي الطرف يوجب إثباته ، فوجب أن (يكون) (٢) هذا النفي باطلا ، وأن يكون إثبات طرف الممكنات أمرا واجبا ، وهو المطلوب.
البرهان السابع : أن نقول : إنا قد بينا في باب خواص الواجب والممكن أن الممكن لذاته ، ما لم يصر واجب الوجود عن سببه ، امتنع أن يدخل في الوجود ، وإذا كان كذلك كانت ضرورة الممكن لذاته أمرا واجبا لا يحصل له أمر إلّا بتبعية الغير ، إذا عرفت هذا فنقول : لو فرضنا أسبابا ومسببات لا نهاية لها ، لكان وجوب كل واحد منها تابعا ، لا أصليا ، إذ لو فرضنا واحدا منها يكون أصليا في الوجود ، لكان ذلك الواحد واجبا لذاته ، وقد فرضنا أنه ليس كذلك ، وإذا كانت وجوباتها بأسرها تابعة لوجوب شيء آخر ، فلا بد من متبوع ، لأن حصول التابع من حيث هو تابع بدون المتبوع محال ، فيثبت أنه لا بد من الاعتراف بوجود شيء يكون واجب الوجود ، على سبيل الأصالة ، لا على سبيل التبعية (للغير) (٣) وكل ما كان كذلك فهو واجب الوجود لذاته ، فيثبت أنه لا بد في الموجودات من موجود واجب الوجود لذاته ، وهو المطلوب. فهذه جملة البراهين المعتبرة في إبطال التسلسل (وبالله التوفيق) (٤).
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) من (ز).