وأما إذا قلنا : إن ذلك المؤثر ما كان تاما في جميع الأمور المعتبرة في كونه مؤثرا في هذا الحادث ، ثم حدث مجموع تلك الأمور بحدوث ذلك المجموع. إن كان لا سبب. فقد وقع الممكن لا عن مرجح ، وإن كان عن سبب عاد التقسيم الأول فيه ، فيقتضي إما إلى إسناد المعلول الحاضر إلى علة سابقة ، وإما إلى وقوع الدور ، وإما إلى وقوع التسلسل ، فثبت أن حدوث هذه الحوادث اليومية ، يقتضي إفساد مقدمة واحدة من المقدمات المذكورة في ذلك الدليل. واعلم أن الفلاسفة أجابوا عن هذا السؤال بجواب يناسب مذهبهم ، والمتكلمون أجابوا عنه بجواب آخر يناسب مذهبهم.
أما الفلاسفة فقد قالوا : هذا إشكال قاهر قوي ، ولا جواب عنه إلا بحرف واحد ، وذلك الحرف إنما يستقيم على قولنا : إن كل حادث مسبوق بحادث آخر ، لا إلى أول ، وتقريره ، أن يقال : المؤثر في وجود هذه الحوادث موجود قديم أزلي ، إلا أن شرط فيضان هذا الحادث. عند زوال ذلك الحادث السابق. فكل حادث مسبوق بحادث آخر ، فإن انقضاء الحادث (المتقدم) (١) شرط في كون ذلك الموجود القديم علة لحدوث الحادث المتأخر. وعلى هذا الطريق قيل : كل حادث حادث لا إلى أول.
وأما المتكلمون فقالوا : هذا السؤال (إنما) (٢) صعب على الفلاسفة لأنهم جوزوا حدوث حادث قبل حادث ، لا إلى أول ، وأما نحن فلا نقول به ، وهو عندنا من المحالات ، وإذا كان كذلك وجب انتهاء الحوادث كلها إلى مؤثر قديم.
قال السائل الأول :
أما جواب الفلاسفة فضعيف. وبيانه من وجوه :
الأول : إن التقسيم الذي ذكرناه في السؤال لا يندفع بهذا الكلام ، لأنا قلنا : إن ذلك المؤثر القديم ، إما أن يقال : إنه كان تاما في الأمور المعتبرة في
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).