يحدث الله تلك الدواعي في العبد : كان الفعل (١) واجب الصدور عنه وعند ما (٢) لا يحدثها فيه ، كان الفعل ممتنع الصدور عنه. وحينئذ لا يكون مستقلا بفعل نفسه. وذلك ضد مذهب المعتزلة.
السؤال الثاني : سلمنا وقوع تصرفاتنا عند دواعينا ، وامتناع وقوعها عند صوارفنا. فلم قلتم : إن ذلك يدل على كونها واقعة بنا؟ قوله : «لو لم تكن واقعة بنا ، لجاز أن تقع حال ما نكره وقوعها ، وأن لا تقع حال ما نريد وقوعها» قلنا : لم لا يجوز أن يقال : إنها تقع عند حصول إرادتنا ، لا لمؤثر ولا لمرجح ، بل لمحض الاتفاق. وتقدير هذا السؤال : أن يقال: إن حدوث الحادث لمحض الاتفاق من غير سبب ومرجح ، إما أن يكون معلوم البطلان بالبديهة ، أو ليس كذلك ، فإن كان الحق هو الأول ، فحينئذ متى علمنا أن العالم محدث ، علمنا بالضرورة افتقاره إلى الفاعل ، كما هو قول «الكعبي» وحينئذ يصير هذا القياس الذي ذكرتموه ضائعا. وإن كان الحق هو الثاني ، وهو أن امتناع حدوث الحادث لا بسبب لا يعلم ، إلا بالدليل. فحينئذ يبقى للسائل أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : إن أفعالنا وإن وقعت عند حصول إرادتنا إلا أنها وقعت على سبيل الاتفاق من غير مؤثر أصلا؟ فإن أثبتنا هذه المقدمة بقياس آخر ، لزم التسلسل وهو محال.
فإن قالوا : الدليل على فساد هذا الاحتمال : أنه لو كان وقوع أفعالنا عند حصول إرادتنا ، وقوعا لمحض الاتفاق من غير تأثير مؤثر ولا حصول مرجح أصلا ، وجب أن لا يطرد على نسق واحد. لأن الأحوال الاتفاقية لا تطرد ، بل تختلف أحوالها. فكان يلزم أنه قد (٣) يتفق حدوثها عند كراهاتنا ، وأن لا يتفق حدوثها عند إرادتنا.
فنقول في الجواب عن هذا السؤال : لم لا يجوز أن يقال : أنها وإن حدثت
__________________
(١) العبد (ت ، س).
(٢) وعنده أن ثبوتها (ت).
(٣) لا يتفق (ت).