بعض السفن تذهب بنفسها إلى ذلك الجانب وتلك الأمتعة تقع في تلك السفينة من تلقاء ذواتها ، وتمتلئ السفينة من تلك الأمتعة [وتعود إلى هذا الجانب ، وتخرج الأمتعة من تلقاء نفسها ، وتقع على الأرض ، وإن تلك السفينة] (١) تعود مرة أخرى إلى ذلك الجانب. فقلبي متعلق. بهذا [المعنى] (٢) المهم ، فاصبروا إلى أن يتم. فقالوا يا أبا حنيفة. هذا الكلام لا يقوله إلا معتوه. قال : ولم؟ قالوا : لأن حدوث هذه الأحوال ، وظهور هذه الأفعال لا يعقل إلا بحافظ يحفظها ، وفاعل يدبرها. فكيف يعقل حدوثها من غير فاعل؟ فقال : أبو حنيفة : فالآن أقررتم بوجود الإله. لأن أحوال هذا العالم ليست أقل درجة من أحوال هذه السفينة. فإذا كان صريح العقل شاهد بأن هذه الأحوال لا تتم إلا بمدبر ومقدر ، فأولى أن لا تتم أحوال هذا العالم إلا بمدبر ومقدر؟
واعلم أن مقصود أبي حنيفة من هذا الكلام : التنبيه على أن العلم بافتقار الحادث [إلى المحدث علم بديهي] (٣) ضروري غني عن الدليل.
الحادي عشر : سئل جعفر بن محمد مرة أخرى عن الدليل فقال : أقوى الدلائل على وجوده : وجودي [وذلك لأن وجودي] (٤) حدث بعد أن لم يكن. فله فاعل.
ويمتنع أن يقال : فاعل وجودي أنا. لأنه لا يخلو إما أن يقال : أنا أحدثت نفسي ، حال ما كنت موجودا ، أو حال ما كنت معدوما. فإن أحدثت نفسي حال ما كنت موجودا فالموجود أي حاجة به إلى الموجد؟ وإن أحدثت نفسي حال ما كنت معدوما [فالمعدوم] (٥) كيف يكون موجدا للموجود؟ فدل هذا على أن الصانع الفاعل لوجودي : موجود غير غيري.
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) من (س).
(٥) من (ز).