أما كان يزيد حاله حينئذ على هذه الأحوال الموجودة؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فهذه الأحوال وجب أن تكون دالة على أن لها [إلها] (١) مدبرا حكيما.
التاسع عشر : روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» وجاء في التوراة : «يا إنسان اعرف نفسك تعرف ربك» (٢) وعند هذا قال أهل التحقيق : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، لا بطريق المساواة بل بطريق المخالفة ، يعني من عرف نفسه بالحدوث ، عرف ربه بالقدم ، ومن عرف نفسه بالامكان عرف ربه بالوجوب.
ومن عرف نفسه بالتركيب [والتأليف] (٣) عرف ربه بالوحدانية والفردانية ومن عرف [نفسه] (٤) بالجهل والعجز والحاجة ، عرف ربه بالعلم والقدرة والاستغناء. وعلى هذا الباب فقس.
العشرون : روي أن الموفق بالله لما حجّ ، وكان قد حضر عنده جمع من المنجمين مثل أبي معشر البلخي ، وما شاء (٥) الله وغيرهما. فقال لهم : إني اسمع أنكم تدعون أن الإنسان يضمر في قلبه ضميرا ، وأنتم تستخرجون ضميره (٦) وأنا أضمرت الآن ضميرا فاستخرجوه. ثم إن أولئك المنجمين استخرجوا طالع الوقت ، وقال كل واحد منهم كلاما ، فلم يوافق كلام أحد منهم. فقال أبو معشر البلخي : أضمرت ذكرت الله. فقال : صدقت. فأخبرني كيف عرفت؟ فقال : لأنك لما أضمرت أخذت ارتفاع الوقت (٧) فوجدت نقطة الرأس وسط السماء ، ونقطة الرأس شيء لا يرى ذاته ، ويرى آثار خيره ورحمته [ووسط السماء أرفع موضع في الفلك. فعرفت أنك أضمرت ذكر موجود لا ترى ذاته ويرى آثار خيره ورحمته (٨)] وذلك الموجود هو أرفع
__________________
(١) من (ز).
(٢) يحتمل أن المعنى من إرمياء ١١ : ١٨.
(٣) من (ز).
(٤) من (ز).
(٥) الكلمة غير واضحة.
(٦) سقط (س) وبدلها الضمير [انه].
(٧) الارتفاع (ز).
(٨) من (س).