عن أحوال الدنيا وفتشوا عن أخبارها ، وجدوا أن كل طائفة كان تمسكهم بعبودية الله أشد ، وكان اشتغالهم بعبادة الله أكثر ، وكانت مواظبتهم على ذكر الله [تعالى] (١) وعلى الفكرة في دلائل الله أكثر ؛ كانوا في الدنيا أحسن ذكرا ، وأطول أعمارا ، وأكثر خيرا ونعمة ، وأبعد عن الشرور ، والآفات ، وأقرب إلى دوام الخيرات والسعادات. وكل من كان أبعد عن طاعة الله ، وأكثر استغراقا في طلب الدنيا وحبها ، كانوا إلى الهلاك والشرور أقرب ، وإلى الوقوع في الآفات والمخافات أوصل. وهذه أحوال لا يعرفها إلا من طالت تجربته في أحوال أهل الدنيا ، وكثرت فكرته في كيفية أحوالهم ، وطالع أيضا كتب التواريخ ، وعرف أحوال الماضين من المقرين والمنكرين ، فإنه يقطع بعد التجربة التي ذكرناها وبعد الأفكار التي أرشدنا إليها : أن الأمر كما ذكرناه ، وأنه لا شبهة في حقيقة ما ادعيناه.
ومما يقوى ذلك وجوه :
الأول : إن وقوع الظلمة ، وطلاب الدنيا في أنواع القتل والنهب ، أكثر من وقوع أهل العلم والعمل ، في تلك الآفات.
الثاني : إن المدرسة الحقيرة [المبنية] (٢) لأهل العلم ، والرباط الحقير المبني لأهل الطاعة قد يبقى مائتي (٣) سنة أو ثلاثمائة سنة ، وأما القصور العالية ، والأبنية المشيدة التي للملوك ، فإنها لا تبقى إلا زمانا قليلا ، وذلك يدل على ما قلناه.
الثالث : إن باني المدارس والرباطات ، كلما كان أقرب إلى الدين والطاعة ، كانت أبنيته أبقى.
الرابع : إن ذكر أهل (٤) العلم وأهل الدين أبقى من ذكر الظلمة وأهل الشر.
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) مائة (س).
(٤) أهل الدين والطاعة (س).