__________________
ـ الإنسان أن يدين نفسه بالحق كما نعرفه. إن لم يكن في الكون «قسطاس للحق» يغرس في نفسه هذا الوجوب؟ ومن أين تقرر في طبع الإنسان : أن الواجب الكريه لديه ، أولى به من إطاعة الهوى المحبب إليه ، وإن لم يطلع أحد على دخيلة سره؟
(ب) ويذكر الآية القرآنية : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء ٢٢] ويقول : لن يقوم على ثبوت الوحدانية برهان أقوى من هذا البرهان. وهو برهان التمانع ، كما يسميه المتكلمون. وأحسن من يشرحه هكذا. لا يخلو إما أن يكون قدرة كل واحد منهما وإرادته كافية في وجود العالم ، أو لا شيء منهما كاف ، أو أحدهما كاف فقط. وعلى الأول يلزم اجتماع المؤثرين التامين على معلول واحد. وهو محال. وعلى الثاني يلزم عجزهما ، لأنهما لا يمكن لهما التأثير إلا باشتراك الآخر. وعلى الثالث ألا يكون الآخر خالقا ، فلا يكون إلها.
وصواب الأمر : إن وجود إلهين سرمديين مستحيل. وإن بلوغ الكمال المطلق في صفة من الصفات يمنع بلوغ كمال مطلق آخر في تلك الصفة. وأن «الاثنينية» لا تتحقق في موجدين كلاهما بلا بداية ولا نهاية ولا حدود ولا فروق. وكلاهما يريد ما يريده الآخر ، ويقدر ما يقدره ، ويعمل ما يعمله في كل حال ، وفي كل صغير وكبير. فهذان وجود واحد وليسا بوجودين. فإذا كانا اثنين لم يكونا إلا متمايزين متغايرين. فلا ينتظم على هذا التمايز والتغاير نظام واحد. وإذا كانا هما كاملين. فالمخلوقات ناقصة ، ولا يكون تدبير المخلوق الناقص على وجه واحد ، بل على وجوه.