__________________
ـ المخلوقات خالقا. ولذلك قال تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ، ثُمَّ هَدى) [طه ٥٠].
(ب) ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد في «الله» :
إن أقرب الأدلة العقلية إلى القبول على وجود الله تعالى هو : برهان الخلق ، وبرهان الغاية ، وبرهان الاستكمال ـ أي المثل العليا ـ وبرهان الأخلاق.
١ ـ أما برهان الخلق : ويعرف في اللغات الأوروبية باسم البرهان الكوني. فهو أقدم هذه البراهين وأبسطها وأقواها في اعتقادنا على الإقناع. وخلاصته : إن الموجودات لا بد لها من موجد. لأننا نرى كل موجود منها يتوقف على غيره ، ونرى غيره هذا يتوقف على موجود آخر ، دون أن نعرف ضرورة توجب وجوده لذاته. ولا يمكن أن يقال : إن الموجودات كلها ناقصة ، وأن الكمال يتحقق في الكون كله. لأن هذا كالقول بأن مجموع النقص : كمال. ومجموع المتناهيات : شيء ليس له انتهاء. ومجموع القصور : قدرة لا يعتبر بها القصور. فإذا كانت الموجودات غير واجبة لذاتها ، فلا بد لها من سبب يوجبها ، ولا يتوقف وجوده على وجود سبب سواه.
ويسمى هذا البرهان ـ في أسلوب من أساليبه المتعددة ـ ببرهان المحرك الذي لا يتحرك ، أو المحرك الذي أنشأ جميع الحركات الكونية على اختلاف معانيها. ومنها الحركة بمعنى الانتقال من حال إلى حال. والحركة بمعنى الانتقال من حيز الإمكان إلى حيز الوجود ، أو من حيز القوة إلى حيز الفعل.
وفحوى البرهان : أن المحرك لا بد له من محرك ، وأن هذا المحرك لا بد وأن يستمد الحركة من غيره. وهكذا إلى أن يقف العقل عند محرك واحد ، لا تجوز عليه الحركة ، لأنه قائم بغير حدود من المكان أو الزمان. وهذا هو «الله».
٢ ـ وأما برهان الغاية : فهو في لبابه نمط موسع من برهان الخلق ، مع تصرف فيه وزيادة عليه. لأنه يتخذ من المخلوقات دليلا على وجود الخلق ، ويزيد على ذلك : أن هذه المخلوقات تدل على قصد في تكوينها ، وحكمة في تسييرها وتدبيرها.
٣ ـ وأما برهان الاستكمال : ويسمى برهان المثل العليا : وفحواه : أن العقل الإنساني كلما تصور شيئا عظيما ، تصور ما هو أعظم منه. لأن الوقوف بالعظمة عند مرتبة قاصرة يحتاج إلى سبب ، وهو ـ أي العقل الإنساني ـ لا يعرف سبب القصور. فما من شيء كامل ، إلّا والعقل الإنساني متطلع إلى أكمل منه ، ثم أكمل منه ، إلى نهاية النهايات ، وهي غاية الكمال المطلق التي لا مزيد عليها ولا نقص فيها. وهذا الموجود الكامل الذي لا مزيد على كماله : موجود لا محالة. لأن وجوده في التصور أقل من وجوده في الحقيقة ، فهو في الحقيقة : موجود. لأن الكمال المطلق ينتفي عنه ، بسبب عدم وجوده ، ولا يبقى له شيء من الكمال ، بل نقص مطلق هو عدم الوجود ، فمجرد تصور هذا الكمال مثبت لوجوده.
٤ ـ وأما برهان الأخلاق : فهو «علامة» في النفس الإنسانية. لا يتأتى وجودها فيها وجود إله. وتلك هي علامة الوازع الأخلاقي ، أو علامة الواجب أو علامة الضمير. فمن أين استوجب ـ