__________________
ـ الإنسان بالرهبة وأدركه الخوف. وكل غريزة لها سن عند الإنسان تظهر فيه. أي أن الغرائز لا تظهر دفعة واحدة ، وإن كانت هي مخلوقة دفعة واحدة قبل الولادة. فغريزة الجوع ظهرت من الولادة مباشرة. وغريزة التملك بعد سنة تقريبا ، وغريزة الميل إلى النساء تظهر بعد ثلاث عشرة سنة على وجه التقريب. وغريزة التدين تظهر وقتئذ أيضا. والمحرك لها هو الرغبة أو الرهبة. وهذا أمر يحس به كل إنسان لأنه (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم ٣٠].
٢ ـ دليل السببية : ومعناه : أن الأثر يدل على المؤثر ، والسبب يدل على المسبب. أي أن وجود «الكرسي مثلا» ـ وهو أثر ـ يدل على الإيمان بذات «النجار» ـ أي المؤثر ـ الذي صنعه. وإن كنا لم نره. كما يقول الراعي : البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير. فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج. ألا تدل على العليم الخبير. وإذا ما قال قائل : إن الدنيا مخلوقة بالمصادفة. نقول له : إن «الإحكام والإتقان» في الكون يدل على الخالق ، ولا يدل على المصادفة. لأن المصادفة إذا أظهرت الإحكام صدفة في أمر من الأمور ، لا تظهره في كل الأمور. والحال أننا نرى العالم محكما ومتقنا (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل ٨٨].
٣ ـ دليل الآيات الكونية : ومعناه : أن نبي الإسلام محمدا صلىاللهعليهوسلم نطق بآيات قرآنية تدل على أمور علمية ، ما كان أحد يعرفها في زمانه. ونطق بها وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب. ولم يكن دارسا ، ولم يلقنه معلم. فراعي غنم أميّ وتاجر ينطق بهذا الكلام العجيب الشأن يدل على أحد أمرين : إما أن معلما علمه ، وإما أن الله هو الذي علمه. لا جائز أن يكون المعلم. لأن الآيات العلمية لم يعرفها العلماء إلا بعد أربعة عشر قرنا من نزول القرآن. فإذن يكون مرسل الكلام ـ الذي هو القرآن ـ الله عزوجل ـ فإنه يؤمن الناس بوجود الله بدليل صدق محمد صلىاللهعليهوسلم فيما أخبر به.
ولقد رأيت بعض العلماء يفسر الآيات الكونية بأن «كل شيء في هذا الكون هو آية ناطقة بأن الله ربها وخالقها. وقد سلك القرآن هذا السبيل لتقرير ربوبية الله وألوهيته. ولذلك عند ما نقرأ القرآن نراه يأخذنا في جولات وجولات يرتاد بنا آفاق السماء ، ويسير في جنبات الأرض ، ويقف بنا عند زهرات الحقول ، ويصعد بنا إلى النجوم في مداراتها ، وهو في كل ذلك يفتح أبصارنا وبصائرنا ، فيرينا كيف تعمل قدرة الله وتقديره في المخلوقات».
وهذا التفسير لا يصلح دليلا مستقلا عن دليل السببية ـ لأن هو نفسه دليل السببية ـ أي أنه إذا فسرنا الآيات الكونية بتفسيره هذا فمعناه أن الكون كله يدل على المسبب. ولكن إن فسرناها دليلا على نبوة محمدصلىاللهعليهوسلم من حيث نطقه بها في القرآن وهو أمي. فإنها تكون سببا مستقلا ، أي دليلا مستقلا.
٤ ـ دليل الهداية : والفرق بين هذا الدليل ودليل الفطرة : أن الفطرة غريزة كامنة عند الإنسان تظهر حال الاستثارة أو الاستفزاز ويحس بها الإنسان نفسه. وأما الهداية فمعناها : النظر إلى تصرف الإنسان وتصرف الحيوان الأعجم. إن تصرف الإنسان يدل على وجود العقل فيه. فمن الذي هدى العقل إلى أن هذا الفعل مفيد أو غير مفيد؟ إنه الله عزوجل فتصرف الحيوان يدل على أن الله هدى المخلوقات لكي تقوم بالوظائف التي خلقها الله من أجلها ، وقيامها بالوظائف يدل على أن لهذه ـ