القبلية والبعدية (١) معنى مغايرا للعدم المحض ، فوجب أن يكون صفة موجودة. ولو كان الموصوف بهذا التقدم والقبلية عدما محضا ، لزم منه أن يكون العدم المحض والنفي الصرف موصوفا بالصفة الموجودة وأنه محال. ولما بطل هذا ثبت أن الموصوف بالقبلية والتقدم موجود. وثبت أن كل ما صح عليه أن يوجد بعد عدمه ، أو يعدم بعد وجوده ، فإنه لا بد وأن يكون مسبوقا بموجود آخر [وأن يكون ملحوقا بموجود] (٢) ثم ذلك الموجود ، إن صح عليه العدم والوجود ، افتقر إلى موجود آخر ، فيصير إلى غير النهاية ، وهو محال ، وإن لم يصح العدم عليه أصلا ، فذلك هو الموجود الواجب لذاته ، وهو المطلوب.
الطريق الرابع وهو طريق الباحثين عن أحوال الفلك : فإنهم قالوا : ثبت أنه متحرك بالاستدارة ، وكل ما كان كذلك فحركته نفسانية إرادية ، وكل ما كان كذلك ، فلا بد من جوهر مجرد عن الجسمية يتولى تحريك ذلك الفلك بإرادته ، وهذا المعنى حاصل في الفلك الأقصى ، فلا بد له من وجود يحركه على سبيل الإرادة. ثم نقول : إن كان ذلك الشيء قديما واجب الوجود لذاته فهو المطلوب. وإن كان حادثا افتقر إلى فاعل آخر. والتسلل محال فلا بد من الانتهاء إلى قديم واجب الوجود لذاته.
ولنكتف في هذا الباب بهذه الوجوه ، ومن الله الإرشاد والرحمة والهداية.
__________________
(١) والتقدم (س).
(٢) من (ز).
ونقول هنا :
(أ) الدليل على وجود الله تعالى : ١ ـ دليل نقلي من التوراة والإنجيل والقرآن. والآثار القديمة الموجودة في بلاد العالم التي تدل على أن الناس عبدوا الإله الخالق ، وآمنوا بحياة ثانية بعد موتهم كالكعبة في مكة. والأهرامات في مصر. ٢ ـ ودليل عقلي. والأدلة العقلية تنقسم إلى الأقسام التالية :
١ ـ دليل الفطرة ـ أي الغريزة ـ : ومعناه : أن الله لما كوّن جسم الإنسان : كونه من لحم ودم. وجعل من اللحم والدم غرائز كامنة تظهر عند وجود الداعي إلى ظهورها. فغريزة الجوع كامنة في الجسم. وإنها لتظهر عند وجود الطعام الشهي أو عند الجوع. لا يحس الإنسان بغريزة الجوع. لأنها كامنة مستترة. وحال ظهورها يعرف الإنسان أن غريزة الجوع فيه. وغريزة الميل إلى النساء ، هي غريزة مستترة ، ولا يحس بها الإنسان إلا عند الإثارة. وكذلك غريزة الميل إلى الخضوع للخالق جلّ وعلا. هي غريزة في جسم الإنسان ، مولود بها كسائر الغرائز وتظهر غريزة التدين ، إذا أحس ـ