[نفيا] (١) للاستلزام ، وحينئذ لا يجب في المبدأ الأول كونه مبدأ لغيره ، ولا يجب في غيره كونه محتاجا إليه ، بل ربما انقلب فيصير الواجب ممكنا ، والممكن واجبا. وكل ذلك باطل محال. فثبت أن القول بأن حقيقة واجب الوجود وجود مجرد يفضي إلى هذه الأباطيل ، فكان القول به باطلا.
الحجة السادسة : إن صريح العقل يشهد بأن فرض شيء لا حقيقة له إلا مجرد الحصول في الأعيان يكون محالا ، بل لا بد وأن يفرض العقل ماهية وحقيقة ، ثم يحكم عليها بأنها حاصلة في الأعيان. فأما فرض موجود لا ماهية له ، ولا حقيقة له إلا مجرد الحصول في الأعيان ، فهذا لا يقبله العقل البتة.
والذي يزيد هذا الكلام تقريرا : ذلك لأن الحكماء ذكروا في باب الوجود مسألة ، وهي أن قالوا : الموجود هو نفس الكون في الأعيان ، لا ما به يحصل الكون في الأعيان ، وأطنبوا في تقرير هذا المعنى وفي إيضاحه ، وإذا ثبت أن الوجود ليس له حقيقة إلا مجرد الحصول في الأعيان ، فالحصول في الأعيان [يمتنع] (٢) تقرره في العقل إلا إذا فرض العقل ماهية يحكم عليها بأنها حصلت في الأعيان ، وإذا كان كذلك ، كان هذا اعترافا بأن الوجود بدون الماهية لا يتقرر البتة ، بل بديهة العقل حاكمة بأنه متى حصل معنى الحصول في الأعيان ، فقد حصلت هناك ماهية هي المحكوم عليها بأنها حصلت في الأعيان ، وذلك يفيد الجزم [بأن الوجود] (٣) بدون الماهية لا يعقل البتة ، ومما يقوي ذلك : أن الحكماء اتفقوا على أن طبيعة الوجود لا يمكن تعقلها وحدها ، بل ما لم يفرض العقل أمرا من الأمور يحكم عليه بأنه حصل في الأعيان ، استحال منه إدراك معنى الحصول في الأعيان.
فإذا كان معنى الوجود أمرا بلغ في الضعف والحاجة إلى حيث [لا] (٤)
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) حيث يمكن (س).