يمكن تعقله وحده بدون الماهية ، ثم ثبت أن طبيعة الوجود من حيث إنه هو وجود أمر واحد، في الواجب والممكن ، فكيف تعقل طبيعة الوجود من حيث إنها وجود ، طبيعة واحدة في الواجب وفي الممكن؟ ثم إنه بلغ في القوة في جانب الواجب إلى حيث كان غنيا عن كل سواه ، وكان كل ما سواه محتاجا إليه ، وبلغ في الضعف والحاجة في جانب الممكن إلى حيث كان محتاجا إلى الماهية في الخارج وفي الذهن ، حتى إن العقل لا يمكنه أن يتصوره وحده ، بل ما لم يجعله تابعا لغيره ، فإنه لا يمكنه إدراكه وتصوره. وكل من أنصف علم أن هذا الكلام معلوم البطلان ببديهة العقل.
الحجة السابعة : اتفق الحكماء على أن تصور الوجود تصور بديهي جلي ، غني عن كل التعريفات ، واتفقوا أيضا على أن الحقيقة المخصوصة لواجب الوجود غير معلومة للبشر [وعبروا عن هذا المعنى بهذه العبارة وهي قولهم : كنه ذات الله تعالى غير معلوم للبشر] (١) ، ولما كان الوجود أولى بالتصديق (٢) ، وكانت الحقيقة المخصوصة غير متصورة ، فضلا عن أن تكون أولية التصور ، كان هذا برهانا قاطعا في أن حقيقة الله تعالى ، غير (٣) وجوده.
[وقال الداعي إلى الله رحمهالله] (٤) حقا. إني لكثير التعجب من هؤلاء الأفاضل كيف جمعوا بين هذين المذهبين؟ فإن قيل : مرادهم بقولهم : إن كنه حقيقة الله تعالى غير معلوم] (٥) ومتصور للبشر : هو أن البشر ما أحاط عقلهم بكنه صفات الله تعالى؟ قلنا : هذا بعيد جدا ، لأن معرفة الصفات غير ، ومعرفة الذات غير. والقوم قالوا : كنه الذات غير معلوم ، فكيف يجوز صرف هذا الكلام إلى الصفات؟ وأيضا : فالقوم حصروا صفات الله تعالى في: السلوب وفي الإضافات ، وهذان القسمان معلومان ، فكيف يقال : المراد أن
__________________
(١) من (ز).
(٢) التصور (ز).
(٣) عين (س).
(٤) من (ز).
(٥) من (ز).