فعند هذا تنفتح أبواب كثيرة من الاحتمالات :
أحدها : أن يقال : إن خالق هذا العالم الجسماني موجود واحد ، وهو إما مخلوق المبدأ الأول ، أو معلول له.
وثانيها : أن يقال : إن خالق الذوات شيء من معلولات المبدأ الأول ، وخالق الصفات شيء آخر.
[وثالثها : أن يقال : خالق بعض الصفات والذوات شيء ، وخالق نوع آخر من الصفات والذوات شيء آخر] (١).
وبالجملة : فعلى جميع التقديرات ، ثبت : أن الدليل الذي ذكروه لا يفيد البتة تقرير أن خالق هذا العالم الجسماني قديم أزلي واجب الوجود لذاته.
واعلم. أنه حصل هاهنا مقامان : أحدهما : طريقة القائلين بأنه لا سبيل إلى تحصيل المعارف الإلهية إلا بالتمسك بطريقة الأولى والأخلق.
والثاني : طريقة القائلين بأنه لا بد من الدلائل اليقينة.
أما الطريق الأول : فتقريره : أن يقال : إنه لما ثبت أن العالم محدث ، وجب افتقاره إلى فاعل ، فذلك الفاعل إن كان محدثا ، افتقر إلى فاعل آخر. فإما أن يتسلسل ، أو يدور، أو ينتهي بالآخر إلى فاعل قديم واجب الوجود لذاته. أما الدور والتسلسل فهما باطلان(٢) وأما إثبات الوسائط مع الانتهاء إلى موجود واجب الوجود لذاته [فنقول : لما دلت الدلائل على أنه لا بد من الاعتراف بوجود واجب الوجود لذاته] (٣) ولم تدل الدلائل على وجود هذه الوسائط ، وجب إسقاط هذه الوسائط من البين ، والاكتفاء بالموجود الذي هو واجب الوجود لذاته. فهذه طريقة القائلين بالأولى والأخلق.
__________________
(١) من (ز).
(٢) محالان (س).
(٣) من (ز).