وثانيا : أن يقال [لم لا يجوز أن يقال : إن] (١) الموجود الذي هو واجب الوجود لذاته أوجب لذاته موجودا ليس بجسم ولا بجسماني ، وذلك الموجود موصوف بالعلم والقدرة [والحكمة] (٢) وهو الذي خلق هذا العالم وأوجده ، وعلى هذا التقدير فخالق هذا العالم قديم أزلي موصوف بالعلم والقدرة ، إلا أنه لا يكون واجب الوجود لذاته ، بل هو معلول علة قديمة واجبة الوجود لذاتها.
فالسؤال الأول : يتفرع على أن الموجود الذي هو واجب الوجود لذاته يكون قادرا مختارا.
والسؤال الثاني : يتفرع على كونه موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار (٣). فيثبت على كلا التقديرين (٤) أن هذا السؤال لازم. وأيضا : فعلى تفريع قول من يقول : إن الموجود الذي هو واجب الوجود لذاته موجب بالذات لا فاعل مختار ، يصح أن يقال : إن خالق هذا العالم لا يكون قديما ، بل يكون محدثا. وتقريره : أن [على تقدير أن] (٥) يكون الواجب لذاته موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار ، فإنه لا يمكن إسناد هذه الحوادث اليومية إليه ، إلا بأن يقال : بأن تأثيره في وجود كل حادث ، مسبوق بحصول حادث آخر قبله ، لا إلى أول ، وإذا جاز هذا ، جاز أيضا أن يقال : إنه حصل في الأزل جوهر ليس بجسم ولا بجسماني. مثل : عقل ، أو نفس. ويكون ذلك الموجود محلا لإدراكات جزئية متعاقبة ، ولتصورات جزئية متلاحقة. ولما انتهت تلك التصورات إلى تصور خاص [وذلك التصور الخاص بسبب الفيضان ـ موجود قادر عالم لذاته ـ عن المبدأ الأول ، ثم إن ذلك الشيء] (٦) صار خالقا لهذا العالم الجسماني.
فيثبت أن على تقدير القول بأن واجب الوجود لذاته موجب بالذات لا فاعل بالاختيار فإن هذا الاحتمال باق. وإذا وقفت على هذه المباحث ،
__________________
(١) من (س).
(٢) من (ز).
(٣) ومختارا (س).
(٤) الطريقين (س).
(٥) من (س).
(٦) من (ز).