والوجه الثاني في بيان امتناع هذا المعنى : أن حقيقة ماهيته ، إن لم تكن قابلة للعدم البتة ، فقد حصل المطلوب ، وإن كانت قابلة [للعدم] (١) فإما أن يكون قبولها للوجود والعدم على سبيل السوية ، وإما أن يقال : إن جانب الوجودية أولى من جانب [العدم] (٢) فإن كان الأول لزم افتقاره إلى المرجح ، لما ثبت أن الممكن المتساوي [لا] (٣) يعقل رجحان أحد طرفيه على الآخر إلا لمرجح ، وحينئذ يكون الواجب لذاته ، واجبا بغيره. وهو محال. [وإن كان الثاني وهو أن يقال : إن حقيقته قابلة للعدم وللوجود ، إلا أن الوجود أولى بها من العدم. فنقول : هذا محال] (٤) لأنا بينا : أن الجمع بين أصل الإمكان مع حصول الأولوية محال باطل. فيثبت بما ذكرنا : أن واجب الوجود لذاته ، يجب كونه أزليا وأبديا.
الوجه الثالث في بيان وجوب كونه أزليا وأبديا : أنه حين كان موجودا. إما أن يقال : إنه كان ممكن الوجود لذاته ، أو كان واجب الوجود لذاته.
فإن قلنا : إنه ممكن الوجود لذاته ، وكل ممكن الوجود لذاته فإنه لا يوجد إلا بسبب. فالمغني عن السبب مفتقر إلى السبب. هذا خلف. وإن قلنا : إنه كان واجب الوجود لذاته فلو فرضنا أنه عدم في وقت من الأوقات ، فحينئذ انتقل من الوجوب الذاتي ، إما إلى الإمكان الذاتي ، أو إلى الامتناع الذاتي. وكل ذلك محال. لأن على هذا التقدير ، يكون ذلك الوجوب الذاتي قابلا للتغير ، وكل ما كان قابلا للتغير فإنه لا يكون وجوبا بالذات ، ينتج : أن الوجوب بالذات ليس وجوبا بالذات. هذا خلف. فيثبت بمجموع ما لخصناه : أن واجب الوجود لذاته ، يجب أن يكون أزليا وأبديا. وهذا تمام المقصود من هذا الباب. وبالله التوفيق.
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (ز).
(٤) من س.