وكما أن مراتب الجبال (المشتملة على المعادن) (١) مختلفة في القلة والكثرة ، اختلافا لا يمكن ضبطه ، فكذلك مراتب درجات الأرواح مختلفة بالقوة والضعف والقلة والكثرة ، اختلافا لا يمكن ضبطه ، وكما أنه لا يبعد أن يوجد في النوادر جبل مشتمل على غار مملوء من الذهب (٢) ، فكذلك لا يمتنع أن يوجد في الاعصار المتباعدة إنسان يكون غار روحه ، مملوءا من أنوار جلال الله.
وإذا وقفت على هذا المثال ، عرفت أنه ليس كل من خاض في الرياضة ، وإن كانت على أصعب الوجوه ، وجب أن يصل إلى شيء.
وأيضا فليس كل من وصل إلى شيء ، فقد وصل إلى الغاية ، بل الغاية في هذا الطريق ممتنعة ، فكما أنه لا نهاية لجلال الله ، ولعلو كبريائه ، فكذلك لا نهاية لمراتب السعادات في هذا الباب.
فليكن هذا المثال نصب عينيك ، وقائما عند خيالك ، لئلا تغتر ، فتظن أن كل من سلك وصل ، وكل من طلب وجد ، ونقول : لا ننكر أن لتلك الرياضات آثارا من بعض الوجوه ، فإن للمواظب على العمل أثرا من بعض الوجوه. إلا أنه من الظاهر أنه ليس التكحل في العينين كالكحل.
ونعم ما قاله حكيم الشعراء :
يراد من القلب نسيانكم |
|
وتأبى الطباع على الثاقل |
وقال أرسطاطاليس : «من أراد أن يشرع (٣) في طلب هذه المعارف الإلهية فليستحدث لنفسه فطرة أخرى» والمراد منه أن يبالغ الإنسان في تجريد عقله من علائق الحس (والوهم) (٤) والخيال. هذا ما في هذا المقام.
__________________
(١) من (ز).
(٢) ذهبا إبريزا (س).
(٣) الشروع (س).
(٤) من (ز).