وأما المقام الثاني :
فهو أن حاصل هذا الطريق : إخلاء القلب عن ذكر غير الله. فإن جوهر النفس ، كأنها بالجبلة الأصلية والغريزة الفطرية ، عاشقة (١) على حضرة جلال الله ، إلا أنها (لما) (٢) تعلقت بهذا البدن واشتغلت بهذه اللذات الجسدانية والطيبات الخسيسة (صار) (٣) استغراقها في هذا الجانب ، مانعا لها من الانجذاب الى الوطن (٤) الأصلي ، والمركز الذاتي ، فإذا بالغ الإنسان في إزالة هذه العوارض ، بقيت جوهرة النفس مع لوازمها الأصلية ، وارتفع الغبار الحاجب ، والغطاء المانع. فحينئذ يظهر فيه نور (٥) جلال الله. فليجتهد الانسان في هذا الباب بمقدار ما يحصل له الالتذاذ بالوقوف على ذرة من أنوار ذلك العلم ، فإنه إذا حصلت تلك السعادة قويت اللذة وعظم الابتهاج ، ويصير ذلك من أعظم الجواذب له إلى الانصراف إليه والإقبال عليه.
وأما المقام الثالث من المقامات المعتبرة في هذا الباب :
أن صاحب الرياضة ، إن كان خاليا عن طريق النظر والاستدلال ، فربما لاحت له في درجات (٦) الرياضات ، مكاشفات قوية (واحوال) (٧) عالية قاهرة ، يتيقن بها أنها أحوال نهايات المكاشفات ، وغايات الدرجات ، ويصير ذلك عائقا له عن الوصول إلى المطلوب ، أما إذا كان قد مارس طريقة النظر والاستدلال ، وميز مقام ما يمتنع عن مقام ما لا يمتنع ، كان آمنا من هذه المغالطة ، ولو اتفق لإنسان كان كاملا في طريقة الاستدلال الفكري ، ثم رزق الكمال في طريقة التصفية والرياضة ، وكانت نفسه في مبدأ الفطرة ، عظيمة
__________________
(١) مناسبة لحضرة (س).
(٢) من (ز).
(٣) وصار (س).
(٤) القطر (س).
(٥) نعت (س).
(٦) حركات (س).
(٧) من (س).