أنه لا بدّ وأن يوجد فيهم شخص كامل بعيد عن النقصان. والدليل عليه وجوه :
الأول : إنا بينا أن الكمال والنقصان واقع في الخلق على مراتب مختلفة ، ودرجات متفاوتة. ثم إنا كما نشاهد أشخاصا بلغوا في جانب النقصان وقلة الفهم والإدراك ، إلى حيث قربوا من البهائم والسباع ، فكذلك في جانب الكمال ، لا بد وأن توجد أشخاص كاملة فاضلة ، ولا بد وأن يوجد فيها بينهم شخص يكون أكملهم وأفضلهم ، وهو يكون في آخر مراتب الإنسانية ، وأول مراتب الملكية.
الثاني : إن الاستقراء يدل على ما ذكرناه. وذلك الجسم العنصري جنس تحته ثلاثة أنواع : المعدن. والنبات. والحيوان. وصريح العقل يشهد بأن أشرف هؤلاء الثلاثة : الحيوان ، وأوسطها النبات ، وأدونها المعادن. ثم نقول : صريح العقل يشهد بأن الحيوان جنس تحته أنواع كثيرة [وأشرفها هو الإنسان. وأيضا : فالإنسان تحته أصناف (١)] مثل الزنج والهند والعرب والروم والإفرنج والترك. ولا شك أن أفضل أصناف الإنسان وأقربهم إلى الكمال : سكان وسط المعمورة ، وهم سكان الموضع المسمى بإيرانشهر. ثم إن هذا الصنف من الناس مختلفون أيضا في الكمال والنقصان ، ولا شك أنه يحصل فيهم شخص واحد ، هو أفضلهم وأكملهم [فعلى هذا قد ثبت أنه لا بد وأن يحصل في كل دور شخص واحد هو أفضلهم وأكملهم (٢)] في القوة النظرية والعملية. ثم إن الصوفية يسمونه بقطب العالم. ولقد صدقوا فيه ، أنه لما كان الجزء الأشرف من سكان هذا العالم الأسفل هو الإنسان ، الذي حصلت له القوة النظرية التي بها يستفيد الأنوار القدسية من عالم الملائكة ، وحصلت له القوة العلمية التي يقدرها بها على تدبير هذا العالم الجسماني على الطريق الأصلح ، والسبيل الأكمل. ثم إن ذلك الإنسان الواحد هو أكمل الأشخاص
__________________
(١) من (ل).
(٢) من (ل).