هاتين القوتين. وليس من شرط حصول هذه الصفة ، كونه قادرا على الأحوال التي طلبتموها مني.
ومن جملة الآيات الدالة على صحة ما ذكرناه أيضا : أنه تعالى لما قال في سورة الشعراء : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١) أورد عليه سؤالا ، وهو أنه : لم لا يجوز أن يكون هذا من تنزيل الشياطين؟ فقال جوابا عنه : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) ثم بين الجواب ، فقال : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ؟ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) والمعنى : أنه إن كانت الدعوة إلى طلب الدنيا (٢) وطلب اللذات والشهوات ، كان ذلك الداعي أفاكا أثيما ، والذين يعينونه عليه هم الشياطين. وأما أنا فأدعو إلى الله ، وإلى الإعراض عن الدنيا ، والإقبال على الآخرة ، ولا يكون هذا [بإعانة الشياطين (٣)] بل بإعانة الله تعالى. فاستدل بكون دعوته إلى الله تعالى وإلى الحق ، على كونه نبيا صادقا ، لا ساحرا خبيثا. ولما أورد عليه سؤالا آخر ، وهو : أن لكل واحد من الشعراء شيطانا يعينه على شعره ، فلم لا يجوز أن يكون حالك كذلك؟ أجاب عنه بقوله : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) والمعنى : أن الشاعر إنما يدعو إلى الطمع في الدنيا وإلى الترغيب في اللذات البدنية ، وأما أنا فأدعو إلى الله تعالى وإلى الدار الآخرة ، فامتنع أن يكون الناصر والمعين في هذه الطريقة : هو الشياطين.
فظهر الفرق وقد ظهر بهذه الآيات : أن الطريق الذي ذكرناه في إثبات النبوة هو الطريق الأكمل الأفضل [والله أعلم (٤)].
__________________
(١) الشعراء ١٩٢.
(٢) النساء (ط).
(٣) سقط (ت).
(٤) من (ل).