ومتى حصل الانطباع ، وجب أن تصير مشاهدة ، وذلك لأن في القسم الأول ، إنما صارت تلك الصورة مشاهدة ، لأجل أن تلك الصورة انطبعت في الحس المشترك لا لأجل أنها وردت عليها من الخارج ، وإذا كان كذلك ، وجب أيضا في الصور المنحدرة عليه من جانب المتخيلة أن تصير مشاهدة. ومثال الحس المشترك : المرآة. فإن كل صورة تنطبع فيها من أي جانب كان : صارت مشاهدة ، فكذلك الصور المنطبعة في الحس المشترك ، إذا انطبعت فيه من أي جانب كان ، وجب أن تصير محسوسة.
إذا عرفت هذا ، فنقول : الصور التي يشاهدها الأبرار ، والكهنة ، والنائمون ، والممرورون ، ليست موجودة في الخارج ، فإنها لو كانت موجودة في الخارج ، لوجب أن يراها كل من كان سليم الحس ، بناء على أنه متى كانت الحاسة سليمة وكان الشيء الحاضر بحيث تصح رؤيته ، ولم يحصل القرب القريب ، والبعد البعيد ، واللطافة ، والصغر ، وحصلت المقابلة. فعند حصول هذه الشرائط يكون الإدراك والإبصار واجبا. إذ لو جاز أن لا يحصل الإدراك عند حصول هذه الشرائط ، لجاز أن يصير عندنا جبال عظيمة ، وأصوات هائلة ، ولا نراها ولا نسمعها. ومعلوم أن تجويزه يوجب الجهالات العظيمة. فثبت بهذا : أن تلك الصور غير موجودة في الخارج ، فيجب الجزم بأن ورودها على الحس المشترك ، إنما كان من الداخل ، وهو أن القوة المتخيلة ركبت تلك الصور ، فانحدرت إلى الحس المشترك ، فصارت مرئية ، وقد كان الواجب أن تحصل هذه الحالة أبدا ، إلا أن العائق عنه أمران :
الأول : إن الحس المشترك إذا حصلت فيه الصور المأخوذة من الخارج ، ثم يتسع للصور التي تركبها المتخيلة ، فحينئذ تصير الصور ، التي تركبها المتخيلة ، بحيث لا يمكن انطباعها في الحس المشترك.
والثاني : إن القوة العاقلة تكون مسلطة على القوة المتخيلة ، فتمنعها عن تركيب تلك الصور.