بوجود صور ، مع أنها لا تكون موجودة أصلا. وإذا ظهر جواز هذا المعنى فنحن إنما يمكننا انتفاء هذه الحالة ، إذا دللنا على أن الأسباب الموجبة لحصول هذه الحالة : محصورة في كذا وكذا. ونقيم على هذا الحصر برهانا يقينيا. ثم نبين في هذا المقام الثاني أنها بأسرها منقضية زائلة بالبرهان اليقيني. ثم نبين في هذا المقام الثالث أن الحكم حال بقائه لا يستغني عن السبب. فإن بتقدير [أن يكون الأمر كذلك لم يلزم من زوال تلك الأسباب زوال هذه الحالة. ثم على تقدير (١) إقامة البراهين الجازمة على صحة هذه المقدمات ، يصير جزمنا بحصول هذه الأشياء المحسوسات في الخارج موقوفا على إثبات هذه المقدمات النظرية الغامضة ، والموقوف على النظري الغامض ، أولى أن يكون نظريا غامضا. وحينئذ تبطل هذه العلوم المستفادة من الحس بطلانا كليا. فثبت : أن القول الذي ذكروه : قول باطل يوجب التزام السفسطة.
[واعلم : أن الذي حمل هؤلاء الفلاسفة (٢)] على ذكر هذه العلل والأسباب : إطباقهم على إنكار الملائكة ، وعلى إنكار الجن [وقد بينا في كتاب «الأرواح» : أنه ليس لهم فيه شبهة ، ولا خيال يدل على نفي هذه الأشياء. وإذا كان أصل هذه الأقوال نفي الملائكة والجن (٣) وقد عرفت أنه ليس لهم فيه دليل. وفيه ما يوجب القول بالسفسطة ، كان هذا القول في غاية الفساد والبطلان.
فهذا تمام الكلام في هذا الأصل.
وأما الأصل الثاني : فهو أن هذه الكلمات مفرعة على إثبات الحواس الباطنة. ونحن قد بينا بالبرهان القاطع القاهر : أن المدرج لجميع المدركات بجميع الإدراكات [هو النفس الناطقة. وأن القول بتوزيع هذه الإدراكات (٤)] على قوى متفرقة ، قول باطل وكلام فاسد. فثبت بهذه البيانات : أن كلامهم
__________________
(١) من (ل).
(٢) سقط (ت).
(٣) سقط (ت).
(٤) سقط (ت).