نسمعها ، ذلك يوجب الجهالات.
[فيقال لهم : هذه الجهالات (١)] التي ألزمتموها على هذا القول ، فهي على قولكم ألزم. وذلك لأنا لو جوزنا أن يرى الإنسان صورا ، ويشاهدها ، ويتكلم معها ، ويسمع أصواتها ، ويرى أشكالها. ثم إنها لا تكون موجودة في الخارج ، جاز أيضا في كل هذه الأشياء التي نراها ونسمعها من صور الناس والجبال والبحار وأصوات الرعود ، أن لا يكون لشيء منها وجود في الخارج بل يكون محض الخيال ومحض الصور المرتسمة في الحس المشترك. ومعلوم أن القول به محض السفسطة.
بل نقول : هذا في البعد عن الحق ، والخوض في الجهالة أشد من الأول. لأن على القول الذي نقول نحن به ، جازمون بأن كل ما رأيناه فهو موجود حق ، إلا أنه يلزمنا تجويز أن يكون قد حضر عندنا أشياء ، ونحن ما رأيناها ، وتجويز هذا لا يوجب الشك في وجود كل ما رأيناه وسمعناه ، أما على القول الذي يقولونه فإنه يلزم وقوع الشك في وجود كل صورة رأيناها ، وكل صوت سمعناه ، وذلك هو الجهالة التامة ، والسفسطة الكاملة. فثبت أن القول الذي اخترتموه في غاية الفساد. فإن قالوا : إن حصول هذه الحالة مشروطة بحصول أحوال.
منها : أن يكون الإنسان نائما. ومنها : أن يكون ضعيف العقل ، كما في حق المجانين.
ومنها : أن يكون كامل النفس ، قوي العقل. كما في حق الأنبياء والأولياء ، فإذا لم [يحصل شيء من هذه الأحوال. وكان الإنسان باقيا على مقتضى المزاج المعتدل ، لم يحصل شيء من هذه الأحوال ، فحينئذ (٢)] يحصل القطع بوجود هذه الأشياء في الخارج.
فنقول في الجواب : إن بالطريق الذي ذكرتم ، ظهر أنه لا يحس الإنسان
__________________
(١) من (ل).
(٢) من (ط ، ل).