للخيال عن التصرف فيها ، كما أن الصور المحسوسة المأخوذة من الخارج. إذا كانت في غاية الجلاء والظهور (١)] فحينئذ تعجز القوة المتخيلة عن التصرف فيها.
والثاني : إن جوهر النفس الناطقة ، إذا كان في غاية القوة ، فحينئذ يقوى على منع القوة المتخيلة من التصرف في تلك الصور بالتغيير والتبديل.
الفرع الثالث : إن النفوس التي ليس لها من القوة ما تقوى على الاتصال بعالم الغيب في حال اليقظة [فربما استعانت في حال اليقظة] بما يدهش الحس ، ويحير الخيال ، كما يستعين بعضهم بشد حثيث ، وبعضهم بتأمل شيء شفاف ، أو براق لامع ، يورث البصر ارتعاشا. فإن كل ذلك مما يدهش الخيال ، فتبتعد النفس بسبب حيرتها وانقطاعها في تلك اللحظة عن تدبير البدن ، لانتهاز فرصة إدراك الغيب. والشرط في هذا : أن يكون الإنسان ضعيف العقل ، مصدقا لكل ما يحكى له عن مسيس الجن. مثل الصبيان والنسوان والبله. فهؤلاء (٢) إذا ضعفت حواسهم ، وكانت أوهامهم شديدة الانجذاب إلى مطلوب معين ، فحينئذ يقع لنفوسهم التفات في تلك اللحظة إلى عالم الغيب ، وتتلقى ذلك المطلوب. فتارة يسمع خطابا ، ويظن أنه من جني وتارة يتراءى له صورة مشاهدة ، فيظن أنها من أعوان الجن ، فيلقى إليه من الغيب ما ينطق به في أثناء ذلك الغشى ، فيأخذه السامعون ويبنون عليه تدابيرهم في مهماتهم.
هذا منتهى ما قرره الشيخ الرئيس في هذا الباب.
واعلم أن الأصل في جملة هذه التفاريع أصلان :
الأصل الأول : أن يقال : هذه الصور التي يشاهدها الأنبياء والأولياء وغيرهم ليست موجودة في الخارج ، لأنها لو كانت موجودة في الخارج ، لوجب أن يدركها كل من كان سليم الحس ، إذ لو جوزنا أن لا يحصل الإدراك مع حصول هذه الشرائط ، لجاز أن يكون بحضرتنا جبال ورعود ونحن لا نراها ولا
__________________
(١) من (ل).
(٢) والنسوان. والمسألة فيها أولا إذا ضعف جوابهم (ت).