المعنى : صورة ثم ركبت لأجل (١)] تلك الصورة صورة ثانية ، وللثانية ثالثة. وأمعنت في هذه الانتقالات ، فانتهت بالآخرة إلى صورة لا تناسب المعنى الذي أدركته النفس أولا البتة. وحينئذ يصير هذا القسم أيضا من باب أضغاث الأحلام ، ولهذا السبب قيل : إنه لا اعتماد على رؤية الكاذب والشاعر ، لأن القوة المتخيلة منهما قد تعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة [والله أعلم (٢)].
الفرع الثاني : في كيفية الإضمار عن الغيب. اعلم أن النفس الناطقة إذا كانت كاملة القوة ، وافية بالوصول إلى الجوانب العالية والسافلة ، وتكون في القوة بحيث لا يصير اشتغالها بتدبير البدن عائقا لها عن الاتصال بالمبادئ المفارقة ، ثم اتفق أيضا أن كانت [قوتها الفكرية (٣)] قوية الفكر قادرة على انتزاع لوح الحس المشترك عن الحواس الظاهرة ، فحينئذ لا يبعد أن يقع لمثل هذه النفس في حال اليقظة مثل ما يقع للنائمين من الاتصال بالمبادئ المفارقة. فحينئذ ترتسم من بعض تلك المفارقات صور تدل على وقائع هذا العالم في جوهر النفس الناطقة. ثم إن القوة المتخيلة لأجل قوتها تركب صورة مناسبة لها ، ثم تنحدر تلك الصورة إلى لوح الحس المشترك فتصير مشاهدة ، وعند هذه الحالة فقد يسمع ذلك الإنسان كلاما منظوما من هاتف ، وقد يشاهد منظرا في أكمل أبهة وأجل صورة وتخاطبه تلك الصورة بما يهمه من أحواله ، وأحوال من يتصل به ، ثم إن كانت هذه الصورة المحسوسة منطبقة على تلك المعاني التي أدركتها النفس الناطقة ، كان ذلك وحيا صريحا ، وإن كانت الصورة الخيالية مخالفة لذلك المعنى العقلي من بعض الوجوه ، كان ذلك وحيا محتاجا إلى التأويل.
والصارف للقوة المتخيلة عن هذا التغيير والتبديل أمران :
الأول : إن الصورة المنطبعة في النفس الناطقة الفائضة من جانب المبادي العالية ، إذا فاضت على نعت الجلاء والوضوح [صارت تلك القوة مانعة
__________________
(١) من (ل).
(٢) من (ل).
(٣) من (ل).