__________________
ـ انتقال الشمس من الجوزاء إلى السرطان ، تأخذ في الهبوط ، ونقصان النهار ، وزيادة الليل ، وعند الانتقال من القوس إلى الجدي ، تنتقل الشمس من الهبوط إلى الصعود ، ومن غاية انتقاص النهار إلى ازدياده. فالجدي أفضل من السرطان. فلهذا جعلوا الجدي باردا يابسا. والسرطان باردا رطبا. فصارت طبائع هذه البروج الأربعة : معلومة.
ثم نقول : الحرارة والبرودة فاعلتان. واليبوسة والرطوبة منفعلتان. والفاعل قوي ، والمنفعل ضعيف. فلو توالى حاران ، أو باردان ، لعظم التسخين أو التبريد ، ولهلك العالم. فوجب أن يحصل برج حار ، ثم برج بارد ، ثم حار ، ثم بارد ، وأما المنفعلتان ، فلو حصل يابس ثم رطب ، لاعتدل كل واحد منهما بالآخر ، ولبطل تأثير كل واحد منهما ، فالأصوب أن يحصل يابسان ، ثم رطبان. وهكذا على الترتيب. وإذا ظهرت هذه المقدمات ، وجب أن يكون الأول حارا يابسا ، والثاني بارد يابسا ، والثالث حارا رطبا ، والرابع باردا رطبا. وكذا القول في الأربعة الثانية والثالثة.
وإذا عرفت هذا فنقول : قد عرفت : أن أربعة منها منقلبة ، وهي أوائل الفصول. والأربعة الثانية : ثابتة ، وهي أوساط الفصول ، والأربعة الثالثة ذوات الجسدين.
والوجه الثاني : في قسمة الفلك باثني عشر قسما : القسمة المبنية على الطالع. وما رأيت لأحد في تعيين هذه البيوت : علة مناسبة. والذي حصلته أن نقول : إن أربعة منها : وهي الطالع والرابع والسابع والعاشر. أما الطالع فإنه يدل على الابتداء في كل شيء. ويقال له : بيت الحياة والنفس. والسبب فيه : أن درجة الطالع ظهرت بعد الخفاء ، كما أن الولد ظهر في هذا العالم بعد الخفاء ، فلما حصلت المشابهة بينهما من هذا الوجه ، لا جرم جعل الطالع دليلا عليه.
واعلم : أن البرهان الأعظم في علم النجوم : هو كون أحدهما مشابها للآخر من بعض الوجوه ، وأما الوتد الثاني وهو الرابع فإنه وتد الأرض ، لأجل أنه تحت الأرض. وله صفات : أحدها : أنه وتد الأرض ، يشبه الأصل الذي منه يظهر الطالع ، ومنه يتولد فلا جرم جعل دليلا على الآباء والأجداد ، ومشايخ أهل البيت. وثانيها : أنهم نسبوا الأملاك والعقارات إليه. وثالثها : أنه لما كان في غاية الخفاء ، نسبوا إليه عواقب الأمور ، لكن العواقب مخفية غير معلومة. وأما الوتد الثالث : وهو السابع. فهو بيت مقابل للطالع ، وهو يدل على المقابل. فلهذا يقال : إنه بيت الأضداد والشركاء والأزواج. وأما الوتد الرابع ، وهو العاشر ، فهو أرفع بيت في الفلك. فلهذا يقال : إنه بيت للسلطان والقوة. ولما كان العاشر سابع والرابع ، وكان الرابع دليلا على الآباء ، كان العاشر دليلا على الأمهات. فهذا هو الحكم على هذه البيوت الأربعة.
واعلم : أنه حصل بيتان أخوان ينظر الطالع إليهما من التثليث. وهذا النظر يفيد كمال المحبة والخير ، وهما الخامس والتاسع ، لكن الخامس تحت الأرض ، والتاسع فوق الأرض. والذي يكون تحت الأرض أقل شرفا مما يكون فوق الأرض. والجسماني أقل طرفا من الروحاني ، والأشرف منسوب إلى الأشرف ، فلا جرم جعلوا الخامس دليلا على ما يفيد الفرج ، بسبب الروحانيات ، فصار الخامس بيت الأولاد والرسل والأخيار والهدايا وغلة البضائع ، وصار التاسع بيت الدين والنبوة والعلم والأفعال الصائبة ، وهو أيضا بيت الأسفار الطويلة. إلا أن هذه الأسفار قد تفيد المنافع العظيمة ، وتفيد تهذيب الأخلاق ورياضة النفس ، والوقوف على الحقائق الخفية.