أحدهما بعينه أو لا بعينه. والثاني محال. لأن ما لا يكون متعينا في نفسه ، امتنع كونه موجودا [وما يمتنع كونه موجودا (١)] يمتنع اتصاف غيره به ، فكان يجب أن يكون قولنا : إن هذه القضية واجبة الاتصاف بأحدهما لا بعينه : قولا محالا. ولما بطل هذا ، ثبت : أن القول بأن الواجب أحدهما [لا بعينه قول باطل ، فوجب أن يكون الواجب هو أحدهما (٢)] بعينه. وإذا كان كذلك ، كان نقيضه محالا ، فكان القول بالجبر لازما.
فيثبت بهذه الوجوه الخمسة عشر : أن القول بالجبر حق. وتمام الكلام في هذا الباب سيأتي في الكتاب التاسع (٣) [إن شاء الله تعالى (٤)].
وأما المقدمة الثانية : فهي في بيان أنه متى كان القول بالجبر حقا ، كان القول ببطلان التكليف حقا. فالدليل عليه : أن العبد ما لم يكن قادرا على الفعل والترك ، كان أمره عبثا ، لأن ما يوجب الفعل ـ إن حصل ـ فذلك الفعل حاصل وجوبا ، سواء أراده العبد ، أو لم يرده [وإن حصل ما يوجب الترك ، فذلك الترك حاصل ، سواء أراده العبد ، أو لم يرده (٥)] وإذا كان كذلك ، فنقول :
القائل له : افعل : أو لا تفعل : يكون جاريا مجرى ، ما إذا قيل له : افعل يا من لا يفعل. وأيضا. فلو جاز ذلك ، لجاز أن يؤمر بطوله وقصره ولونه ، لجاز أن يؤمر بإيجاد السموات والعرش والكرسي ، مع أنه لا قدرة له على شيء منها. وأيضا : لو جاز ذلك ، لجاز إرسال الرسل إلى العميان بنقط المصاحف ، وإلى المفلوجين بأن يطيروا إلى السموات. وكل ذلك ظاهر الفساد.
__________________
(١) سقط (ت).
(٢) سقط (ت).
(٣) هذا يدل على أن كتاب «الجبر والقدر» أو «القضاء والقدر» من أجزاء «المطالب العالية من العلم الإلهي».
(٤) من (ل) ، (طا).
(٥) من (ل) ، (طا).