ضرورة ، والتزام الضرر من غير الحاجة (١)] قبيح عند العقل ، فكان حكم العقل حاصلا في هذا القسم بوجوب الترك.
وأما القسم الثاني وهو أن لا يكون تركه ممكنا ، فههنا حكم العقل حاصل فيه بالجواز. لأن العقل علم أن إله العالم حكيم رحيم وأنه لا يكلف عباده فوق قدرتهم وطاقتهم ، فإذا كان ذلك الفعل مما لا يقدر العبد على الانفكاك عنه ، فلو أمره الله تعالى بالانفكاك عنه ، لكان قد كلفه ما لا طاقة له به وذلك قبيح عند العقل. ونحن إنما نتكلم الآن على تقدير أن يكون تحسين العقل وتقبيحه معتبرا. فيثبت : أن حكم العقل حاصل في هذا القسم أيضا. فقد ظهر بهذا البحث : أن حكم العقل حاصل في جميع أقسام الأفعال. وإذا كان العقل كافيا في معرفة الله تعالى وما يجب وما يجوز ، ويحرم. لم يكن في البعثة فائدة. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال تحسن بعثة الأنبياء والرسل؟ لوجوه :
الأول : تأكيد ما في العقول.
الثاني : إنه قد يحصل في بعض الأشياء منافع ومصالح ، لا يمكن الوقوف عليها ، بمجرد العقول ، فتحسن بعثة الأنبياء والرسل ، ليدلوا عليها ، ويعرفوا الخلق ما فيها من المنافع والمصالح.
الثالث : إن عقول الخلق ناقصة قاصرة عن معرفة الله تعالى ومعرفة كيفية طاعاته. فكانت الحكمة في بعثة الأنبياء والرسل عليهمالسلام : إرشادا للخلق ، إلى معرفة ذات الله تعالى وصفاته ، ومعرفة كيفية طاعاته.
الرابع : إنما أمر الله تعالى بهذه العبادات الشرعية ، لتكون [ألطافا (٢)] في الواجبات العقلية. وهذا قول المعتزلة.
قلنا :
أما الأول : فضعيف. لأنه لما كان العقل مستقلا بمعرفة وجوه الحسن
__________________
(١) سقط (ت).
(٢) سقط (ل) ، (طا).