والقبح ، والمصلحة والمفسدة ، كان أصل المقصود حاصلا ، وأما مراتب التأكيد فغير مضبوطة. فإنه لو حصل مع ذلك النبي جمع من الملائكة ، كان التأكيد أكثر ، ولو حصل معه جمع من العساكر المعصومين ، لكان التأكيد أبلغ. ولكن لما حصل المقصود الأصلي ، لم يكن إلى هذه الزوائد حاجة. فكذا هاهنا. ولأن المقصود من التأكيد : السعي في دفع المفسدة ، بأقصى الوجوه ، والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ يقولون : إن من أعرض عن متابعتنا فإنه يستحق أعظم العقاب. وعلى هذا التقدير تصير البعثة سببا لأعظم أنواع المفاسد. وهو استحقاق العذاب الدائم ، على تقدير مخالفتهم ، وترك متابعتهم. وهذا متناقض.
وأما الوجه الثاني : وهو قوله : «المقصود من البعثة : التنبيه على ما في الأشياء من المنافع» فنقول : تمك المنافع إن كانت ضرورية التحصيل ، كانت معلومة للكل. لأن على هذا التقدير لا تحصل الحياة إلا بها. وإن كانت غير ضرورية التحصيل. فحينئذ لا يلزم من فواتها حصول ضرر أصلا ، فوجب الاحتراز عنها. على ما بيناه في تقرير الدليل. وأما قوله : «هذه العبادات ألطاف في فعل الواجبات العقلية» فنقول : هذا باطل لوجهين :
الأول : إن معنى كون فعل الأول لطفا في فعل الثاني : هو أن فعل الأول يدعو الفاعل إلى فعل الثاني. وهذا المعنى بتقدير حصوله ، يكون حالة وجدانية من النفس بالضرورة. ونحن البتة لا نجد من أنفسنا : الإتيان بالصلاة والصوم يدعونا إلى رد الوديعة ويحملنا على ترك الظلم.
فثبت : أن هذه الحالة لو كانت موجودة ، لكان العلم بحصولها : علما ضروريا. وثبت: أن هذا العلم الضروري مفقود ، فوجب أن لا يكون هذا المعنى حاصلا.
والثاني : إنه لو كان وجوب هذه العبادات الشرعية ، لأجل أن تصير ألطافا في الواجبات العقلية ، لكان المكلف إذا رد الوديعة ، وترك الظلم ؛ وجب أن لا يجب عليه شيء من هذه العبادات. لأن بعد حصول المطلوب