فيه ، كان إيجاب اللطف عبثا. وذلك عند كم باطل.
الحجة الثانية في بيان أن العقل كاف في معرفة المهمات : هو أن نقول : المطلوب إما معرفة الأشياء الغائبة عن الحواس ، أو معرفة الأشياء (١) الحاضرة عند الحواس. أما الأول فنقول : العقول كافية في معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله وأحكامه. والدليل عليه : أن معرفة نبوة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ متفرعة على معرفة الإلهيات ، فلو فرعنا معرفة الإلهيات على النبوات ، وقع الدور. وأنه باطل.
وأما معرفة مهمات المعاش ومصالح الدنيا فإنها غير موقوفة على بعثة الأنبياء والرسل. لأنا نرى من لا يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ، يسعى في تحصيل هذه المصالح على أحسن الوجه. فعلمنا : أن التصرف فيها لا يتوقف على بعثة (٢) الأنبياء ، ولأن العقول الوقادة ، والخواطر الغواصة ، وافية بتحصيل هذه المطالب. وأما كيفية العبادات ، فهي أيضا معلومة بالعقول. لأن كل عمل يكون الإخلاص لله تعالى فيه أكمل وأتم ، كان إلى القبول أقرب ، وكل عمل يشوبه غرض [من الأغراض العاجلة (٣)] فإنه لا يكون في محل القبول. وأيضا : لما شهد العقل : بأن الدنيا فانية ، وبأن الآخرة باقية ، حكم صريح العقل : بأنه يجب السعي في تقليل حب الدنيا ، وتقوية حب الآخرة.
فهذه الأصول هي المطالب الأصلية للخلق ، والعقول وافية فيها بأسرها. فعلمنا : أن العقول وافية بمعرفة جميع مهمات الدنيا والآخرة والدين.
الحجة الثالثة : إن العلم بنبوة الأنبياء ، ووصول التكاليف من الله تعالى إلى الخلق ، لا يتم إلا بعد أن يعرف بالعقل ، معرفة الله تعالى بذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه. وإذا كان العقل وافيا بهذه المطالب العالية الشريفة ، كان أيضا وافيا بمعرفة مصالح الدنيا والآخرة. على ما بيناه في
__________________
(١) الأشياء الغير الغائبة عن الحواس (ت ، ط).
(٢) معرفة (ل) ، (طا).
(٣) سقط (ت).