وإذا كان هذا الاحتمال قائما ، امتنع القطع على أن خالق هذه المعجزات هو الله تعالى. وإما إذا قلنا : الإنسان عبارة عن جوهر النفس الناطقة المجردة. فنقول : إنه لا يمتنع أن تكون النفوس الناطقة يخالف بعضها بعضا في الماهية. وعلى هذا التقدير كانت نفس ذلك الرسول مخالفة لحقائق سائر النفوس ، فتلك النفس لحقيقتها المخصوصة قدرت على الإتيان بهذه الخوارق ، وإذا كان هذا الاحتمال قائما ، امتنع القطع على أن خالق هذه المعجزات هو الله تعالى. واعلم أنه لا حاجة بالسائل إلى إقامة الدلالة على أن الأمزجة مختلفة ، وأنها متى اختلفت أوجبت هذه الآثار. وكذلك فلا حاجة به إلى إقامة الدلالة على إثبات النفوس الناطقة ، وعلى إثبات أنها مختلفة ، وعلى إثبات أنها لما كانت مختلفة ، وجب اختلاف آثارها. بل يكفي في مقام السؤال [بيان أن هذا الاحتمال (١)] قائم في أول العقل ، وأنه مع قيام هذا الاحتمال ، لا يمكن القطع بأن خالق هذه المعجزات هو الله تعالى.
ثم نقول : الذي يزيده تقريرا : هو أن الناس مختلفون في الصفات والأحوال اختلافا عظيما.
فمنهم من يكون عظيم الرغبة في أحوال القوة [النطقية ، عظيم النفرة عن أحوال القوة (٢)] الشهوانية والغضبية. ومنهم من يكون بالضد منه. والراغبون في أحوال القوة النطقية ، منهم من يكون شديد الاستعداد لعلم مخصوص ، وشديد البعد عن علم آخر.
وقد أشرنا إلى اختلاف هذه الأحوال في باب مراتب النفوس البشرية بحسب التعقلات.
وأما الراغبون في أحوال القوة الشهوانية. فمنهم من تكون شهوته في المتناولات. ومنهم من تكون شهوته في جمع المال. ومنهم من تكون شهوته في الجود والكرم. ومنهم من تكون شهوته في الزهد.
__________________
(١) سقط (ت).
(٢) سقط (ت).