وأما الراغبون في المتناولات فشهواتهم مختلفة ، فكل واحد منهم يشتهي نوعا آخر من الطعام ، ويبغض النوع الآخر.
وأما الراغبون في جمع المال فهم أيضا مختلفون ، فمنهم من يحب العقارات ، ومنهم من يحب المراكب الجميلة ، والثياب الحسنة. ومنهم من يحب أثاث البيت ومنهم من يحب جمع المال ودفنه في الأرض.
وأما الراغبون في الجود والكرم ، فمنهم من يحب الإطعام ، ولا يحب بذل النقود ، ومنهم من يسهل عليه بذل النقود ، ولا يحب الإطعام.
وأما الراغبون في الزهد ، فمنهم من يكون زاهدا في أموال الناس ، فاجرا في الفروج ، ومنهم من يكون مقداما على القتل (١) والإيذاء ، ممتنعا عن الفواحش ، ومنهم من يكون عظيم الفحش باللسان ، إلا أنه يكون بعيدا عن القتل وإفساد المال.
واعلم أن تمام الكلام في تفاصيل أحوال الناس في الصفات : محال. إلا أن التنبيه على هذه الأقسام يكفي في تنبه العقل لتمام هذه الأقسام.
وإذا ثبت هذا ، فنقول : اختلاف الناس في هذه الصفات لا بد وأن يكون ، إما لاختلاف جواهر النفوس أو إن كانت [النفوس متساوية في تمام الماهية إلا أن اختلاف هذه الآثار إنما كان لاختلاف (٢)] الأمزجة والآلات البدنية. وعلى كلا التقديرين (٣) فإنه لا يمتنع حدوث إنسان مخالف لسائر الناس ، إما في جوهر النفس ، وإما في الآلات البدنية ، والتركيبات المزاجية. ولأجل تلك الخصوصية ، قدر على الإتيان بما يعجز عنه غيره.
الاحتمال الثاني : إنا نشاهد الأدوية المختلفة مختلفة في التأثيرات على ما سيأتي في شرح هذا الباب ـ
__________________
(١) التعبد (ت).
(٢) سقط (ت).
(٣) وعلى هذه التقديرات (ت).