عدم حدوث مثل هذا الحادث بعد هذه المدة ، أن لا يكون حدوثه لأجل إنه ابتداء عادة؟
الاحتمال الثاني : لعله حدث لأجل أنه تكرير عادة متباعدة. مثل : ما ضربنا من الأمثلة ، ومثل : أن الكواكب الثابتة تنتهي إلى أول برج الحمل في كل ستة وثلاثين ألف سنة مرة واحدة. فلعل هذا الحادث الذي حدث ، إنما حدث لأنه تكرير عادة متطاولة متباعدة.
الاحتمال الثالث : لعله إنما حدث معجزة لنبي آخر ، أو كرامة لولي (١) آخر ، في طرف آخر من أطراف العالم. فاتفق كلام هذا الكاذب ودعواه في ذلك الوقت ، فحدث هذا المعجز على وفق دعواه ، لهذا السبب.
الاحتمال الرابع : قد ثبت أنه تعالى قد يقوي الشبهة في بعض المواضع ، حتى أن المكلف إذا احترز عن تلك الشبهة القوية بالكد العظيم والعناء الشديد ، استوجب الثناء العظيم. فههنا إذا خلق الله تعالى هذا المعجز عقيب دعوى ذلك الشخص ، أوهم حدوثه عقيب دعواه إنه إنما حدث تصديقا له في دعواه. لكن العاقل لما علم أن ذلك وإن كان موهما. لكنه غير موجب [للتصديق (٢)] لاحتمال أنه تعالى إنما أحدث ذلك المعجز ، عقيب دعواه (٣) تشديدا على المكلف وتقوية للشبهة عليه. فإذا عرف هذا الاحتمال ، ولم يحمله على التصديق استحق به مزيد الثواب ، حيث احترز عن هذه الشبهة القوية. فيكون المقصود من إظهار المعجز ذلك. ألا ترى أن الله تعالى أنزل المتشابهات الكثيرة في كتابه ، ولا مقصود منها سوى ما ذكرناه. فكذا هاهنا.
الاحتمال الخامس : لعل هذا النبي كان قد علم ، إما بواسطة علم
__________________
(١) الأستاذ أبو عبد الله الحليمي من أهل السنة ، وجمهور المعتزلة ينفون الكرامات عن الأولياء : بأنه لو ظهرت الخوارق من الأولياء ، لالتبس النبي بغيره ، لأن الخارق إنما هو المعجزة. وبأنها لو ظهرت على أيديهم لكثرت بكثرتهم ، وخرجت عن كونها خارقة للعادة [تحفة المريد على جوهرة التوحيد ص ١٨٥ طبعة الأزهر].
(٢) من (ل) ، (طا).
(٣) دعوى ذلك المدعي (ت).