المصلحة ، عاد الكلام في تخصيص ذلك الوقت بذلك الغرض. ويلزم التسلسل ، وهو باطل. ولما بطل هذان القسمان ، ثبت : أن القول بحدوث العالم ، لا يتم لنا إلا إذا قلنا : إن الفاعل المختار يفعل الفعل لا لغرض [ولا لمرجح (١)] أصلا. وإذا ثبت هذا ، فحينئذ يمتنع القطع بأنه تعالى إنما خلق هذا المعجز ، في هذا الوقت لغرض التصديق.
الشبهة الرابعة : هب أنه لا بد لله تعالى في كل فعل من غرض معين ، ومن حكمة معينة ، فما الدليل على أنه لا غرض لله تعالى من فعل هذا المعجز إلا تصديق هذا المدعي؟ فإن في الأغراض كثرة. وأقسام حكمة الله تعالى في تدبير هذا العالم لا محيط بها أحد البشر.
ثم إنا نذكر احتمالات أخرى غير ما ذكرتم :
فالاحتمال الأول : إنه لا شك أن هذه الحوادث المعتادة منتهية إلى أول. وإلا لزم القول بحدوث حوادث لا أول لها ، وذلك يوجب قدم العالم [وقدم العالم (٢)] يقدح في إثبات الفاعل المختار ، والقدح في الفاعل المختار يمنع من القول بصحة النبوة. فثبت : أنه لا بد من الاعتراف بوجوب انتهاء هذه الحوادث المعتادة إلى أول ومبدأ. فهذا النوع من الحوادث ابتدأ في ذلك الوقت ، ثم استمر بعده على نسق معلوم. إذا ثبت هذا فنقول : لعل هذا الذي حدث الآن ابتداء عادة ستصير عادة مستمرة ، بعد ذلك. فإن قالوا : لما شاهدنا أن هذا الشيء لم يحدث بعد ذلك ، علمنا أنه ليس حدوثه لأجل أنه ابتداء عادة.
قلنا : العادات قد تكون متكررة في أزمنة متقاربة وقد تكون متكررة في أزمنة متباعدة. مثل : إن العادة جارية بحدوث الصيف في كل سنة مرة واحدة ، وبحدوث قران العلويين في كل عشرين سنة مرة واحدة. فلم يلزم من
__________________
(١) من (ط) ، (ل).
(٢) وهو (ت ، ط).