أما طريق الإجمال ، فمن وجوه :
الأول : إن علم الله تعالى بالشيء المعين ، واجب الحصول مع حصول ذلك الشيء المعين ، لأنه لما ثبت أنه تعالى يجب كونه عالما بجميع المعلومات ، فعلى أي وجه يقع ذلك المعلوم ، يكون العلم متعلقا به ، كما هو عليه في نفسه. ثم إن العلم يمتنع أن يكون علة للمعلوم (١) وبالعكس. أما أن العلم يمتنع أن يكون علة للمعلوم ، فلأن العلم بالشيء ، تابع لذلك المعلوم ، فلو كان المعلوم معللا به ، لزم كون المعلوم تابعا للعلم. وهو دور ، والدور محال (٢).
وأما أن المعلوم يمتنع أن يكون علة للعلم ، فهو ظاهر. فقد ثبت أن الدوران حاصل (٣) قطعا مع علم الله تعالى بجميع المعلومات ، مع أنه يمتنع أن كون واحد منهما علة للآخر.
الثاني : إن المعلول قد يكون مساويا للعلة ، وقد يكون أعم منها. أما الأول فمثل قولنا : طلوع الشمس علة لوجود النهار ، ووجود النهار أيضا لا يحصل إلا عند طلوع الشمس. فههنا العلة والمعلول متساويان. وأما الثاني. فمثل الحمى. فإنه قد يكون لعفونة الخلط ، وقد تكون لسبب آخر. وإذا ثبت هذا فنقول : العلة والمعلول إذا كانا متساويين في العموم والخصوص ، فكل واحد منهما دائر مع الآخر وجودا ، وعدما. والعلية والمعلولية غير مشتركة من الجانبين. فثبت أن الدوران لا يدل على العلية (٤).
الثالث : إن الشيء الذي يدور مع غيره وجودا وعدما ، فإنه لا بد وأن يدور مع فصله المقوم لماهيته ، ومع خاصيته المساوية لماهيته ، فالدوران قدر مشترك بين العلة وبين غيرها ، فيمتنع كونه دليلا على العلية (٥) بعينها. فهذه
__________________
(١) للمعلول (ل) ، (طا).
(٢) باطل (طا).
(٣) الدور باطل (ت).
(٤) أن الدواء لا يدف على العلة (ت).
(٥) العلية (ل) ، (طا).